صدمة الحداثة – العرب والغرب

ولد اللقاء مع الغرب، على الصعيد الأدبي، موقفا نقديا يتمثل في أربعة مبادئ:
١. المبدأ الأول يتصل بالموضوع أو المضمون، وخلاصته أن الحياة الجديدة التي يحياها الشاعر العربي أنتجت مشكلات جديدة. ولهذا فإن عليه أن يعي هذه المشكلات، ويشتق موضوعاته منها، ويترك من ثم الموضوعات التقليدية الموروثة. وبناء على ذلك يدعو الشمل مثلا الشعراء العرب الى التخلي عن الموضوعات القديمة،المدحية الاستجدائية وغيرها، والالتزام بالمبادئ الاجتماعية والفلسفية المادية. كذلك يدعوهم أمين الريحاني (١٨٧٦ – ١٩٤٠) الى أن يعنوا بما يسميه “الحقائق الكونية والبشرية” و ينبذو الموضوعات التقليدية، ذلك أن الشعر العربي لم يعد “في مجمله غير أصداء لأصوات الشعراء الماضية وأشباح لألوانه وأشكاله.
٢. والمبدأ الثاني يتصل بطريقة التعبير. فإذا كانت المشكلة قد تغيرت فإن على الشاعر أن يغير طريقة تعبيره، فلا يمكن التعبير عن “مضمون” جديد “بشكل” قديم، فتغير “المضمون”، اذن، يستدعي تغير “الشكل”. وقد اقتصرت الدعوة الى تغيير الشكل على مجرد التحرر من أشكال النظم التقليدية – وبخاصة التحرر من القافية. وتضمن ذلك امكان الكتابة الشعرية بطريقة جديدة غير طريقة الوزن. وحي ما سماها أمين الريحاني بطريقة “الشعر الحر الطليق”. ومميزات هذه الطريقة، كما يقول : التحرر من القيود  و الطواعية في اشتمالها على الخيال والفلسفة، والغرابة والجدة.وهذه الطريقة تلتمس مقياسها ومصدرها من الشعر الأوروبي.
٣. والمبدأ الثالث يتصل بتعريف الشعر، فتعريفه في الماضي كان تابعا لأغراضه وأشكاله، وبما أن هذه الأغراض والأشكال قد تغيرت، فإن تعريفه يجب أن يتغير. وهكذا يدعو جرجي زيدان الى وضع تعريف جديد للشعر العربي، فتعرييفه القديم تعريف لنظم لا للشعر، أو هو كما يعبر تعريف للشعر “بلفظه لا بمعناه” بينما يجب أن يعرف “بمعناه لا بلفظه” كما هي الحال في أوروبا. واذا قبلنا ذلك يصبح الشعر العربي، كالشعر الأوروبي، منظوما ومنثورا، ويصبح الأساس في الشعر “الخيال الشعري أو المعنى الشعري”، ومن الضروري في ذلك أن يفيد الشاعر العربي من تجربة اخوانه الشعراء السريان الذين كتبوا الشعر وزنا بلا قافية، أو مقفى بلا وزن.
ويعبر عن أفكار زيدان، بوجه أكثر دقة، توفيق الياس بقوله :

  •  القافية والوزن أثر من آثار أختلط الشعر بالغناء والموسيقى

  •  التطور اقتضى فصل هذه الفنون، وهكذا نشأ الشعر المنثور

  •  الشعر اذن “أمر وراء الكلام” ولهذا تمكن كتابة الشعر بالكلام مطلقا

٤. وينبثق المبدأ الرابع عن المبادئ الثلاثة الأولى، وخلاصته أن علينا أن نغير النظرة الى الشاعر، فلم يعد الشاعر من يكتب القصيدة تلو الاخرى، دون رؤيا للعالم أو موقف منه، بحيث يجيء شعره مجموعة من الانفعالات، أو وصفا للأحداث من دون رابط رؤيوي أو جمالي يربط فيما بينها، ويوحدها، بل الشاعر هو الذي يصدر عن رؤيا، أو من له رسالة كما يعبر جبران، ومن لا رسالة له، ليس شاعرا.
وقد تجلى هذا المفهوم ،على نحو خاص، عند جبران خليل جبران

 

الثابت والمتحول – صدمة الحداثة /  أدونيس
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail