المفكر المغربي عبد الفتاح كيليطو – عن النصوص والأسئلة

منذ القرن التاسع عشر والعرب يعيشون ثنائية الانفتاح والانغلاق والضعف والقوة، وليس في الأفق ما ينبئ عن إمكانية التجاوز إلى معالجة ثنائيات أخرى

يتميز المفكر المغربي عبد الفتاح كيليطو بدراسته الثقافة العربية الكلاسيكية بمناهج نقدية أكثر حداثة وتجريبا لانفتاحه على الأدب الأوروبي ومناهجه النقدية واطلاعه على التراث العربي القديم بجهود دؤوبة ومتعمقة.

كتابك «الأدب والغرابة»، هل تعتقد انه قد آن الأوان لإضافة عدة فصول جديدة عليه، بعد صدوره قبل سبع وعشرين سنة، تمشيا مع ما استجد في عالم النقد المعرفي ـ العلموي؟

ـ صحيح. مرت سبع وعشرون سنة على كتاب «الأدب والغرابة»، كلمح البصر، ومع ذلك هي مدة طويلة جداً. الكتاب وليد وقته وسياقه، ولا يمكنني الآن تحويره أو إضافة شيء إليه، لأنني أفضل أن يبقى وليد المرحلة التي كتب فيها. وعلى أي حال، ابتعد عني هذا الكتاب، ولم اعد، بفعل التقادم في الزمن، أرى نفسي فيه، ولكن مع ذلك، السؤال هو ماذا فعلت بعد هذا الكتاب؟ اقصد، أن ما كتبت بعده هو إضافات له، وتحوير وتصحيح له. كل كتاب يصحح أو يقوم بتحوير الكتاب الذي سبقه. فلا معنى كي أضيف إلى الأدب والغرابة فصلا أو فقرة أو جملة. سيكون ذلك عبئا كبيراً أرفضه.

في كتابك «الحكاية والتأويل»، ما الجديد الذي قدمته، معرفيا، في تحليل العلاقة بين الحكاية والتأويل؟

ـ في «الحكاية والتأويل» تناولت نماذج سردية على الخصوص وأيضا شعرية، هل أقول إنني خضعت لمنهج ما؟ لست ادري. في تلك الفترة كنت اقرأ فرويد والبنيويين ولا شك في أن هذه القراءات أغنت نظرتي إلى المؤلفات المدروسة. أي أنها جعلتني أنظر إلى النماذج التي درستها بنظرة ربما جديدة.

الكلام عن فرويد والبنيويين الأوروبيين يستدعي السؤال كيف يرى الأدب العربي الحديث نفسه بالعلاقة مع أوروبا وكيف تتوسط أوروبا وتستقبل وتتقبل الأدب العربي؟

ـ مفهومنا اليوم للأدب مفهوم أوروبي، خصوصا إذا نظرنا إلى الأنواع السائدة وأقصد بالدرجة الأولى الرواية والسرد بصفة عامة. الملاحظ أن الأديب العربي يرى نفسه ملزما بمعرفة الأدب الأوروبي، لأن المسألة بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت. بينما الأوروبي يمكن أن يستغني عن الأدب العربي بدون خسارة كبيرة. هذا هو الواقع للأسف، إضافة إلى أن الأديب العربي يشعر، تبعا لذلك، بأن عنده شيئا زائداً هو هذه المعرفة المزدوجة. وقد يكون في هذه المعرفة مصدر ثراء وإبداع.

ما هي الخصوصية التي تميز مؤلفك «الكتابة والتناسخ»؟

ـ في «الكتابة والتناسخ» تناولت مسألة المؤلف في الثقافة العربية الكلاسيكية. حاولت أن أوضح الصورة التي يرسمها الشاعر أو الكاتب عن نفسه. لا أقصد حياة الشاعر وإنما حاولت أن أقوم بنمذجة لمفهوم التأليف والمؤلف.

كتابك «لسان آدم» عن أي لسان يحكي؟

ـ قد يبدو الموضوع الذي تناولته ثانويا، بل ربما سخيفا. فما معنى أن نتساءل اليوم عن لسان آدم؟ هذا السؤال يتعلق بالوضع الحالي. ذلك أننا عندما نتناول بالدرس ظاهرة قديمة، فإننا نفكر في الحاضر، بوعي أو بدون وعي نفكر في حاضرنا. فالحاضر بالنسبة لي كمغربي (أقول هذا كمغربي لأن المشرق العربي ربما يختلف في هذه النقطة عن المغرب العربي) هذا الحاضر، هو ظاهرة الازدواجية اللغوية، أقصد العربية والفرنسية. لهذا قرأت كتبا قديمة تتحدث عن لسان آدم: رسالة الغفران للمعري، وقصص الأنبياء للثعلبي… الخ. اهتم القدماء بهذا الموضوع لأن الإمبراطورية العربية كانت خليطا من الألسنة واللغات. فما هو اللسان الأول الذي تحدث به آدم؟ هناك من يجيب، إنه اللغة العربية. وهناك من يقول، إنه السريانية، أو وصولا إلى السومرية أو الهيروغليفية، أو إن آدم كان يتكلم كل اللغات. وهناك من يقول لا نعلم. وهذا كله ينم عن هموم و مشاكل كانت حاضرة في ذلك الوقت.

كتابك «العين والإبرة» يبدو عنوانه جميلا حين يتناول الأعمال الأدبية كأنها سجادة مشغولة بالعين والإبرة. عن أي عين وعن أي إبرة تحكي؟

ـ في كتاب «ألف ليلة وليلة» نقرأ أحيانا هذه الجملة المفزعة بما معناه «هذه الحكاية غريبة وعجيبة، لو كتبت بالإبرة على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر». هذا الكتاب «العين والإبرة» محاولة لفهم هذه الجملة. فلقد قمت بتحليل حكايات من «ألف ليلة وليلة» يرد فيها ذكر الكتاب أو الكتابة بغية التوصل إلى فهم مقبول للجملة الآنفة الذكر.

هذه الكتب كيف تصنف أولويات تأليفها تدرجيا؟ بكلام آخر، نريد منك جدولة مختصرة لأهميتها المعرفية والثقافية.

ـ قمت في كتبي بوضع أسئلة على نصوص في أغلبها قديمة و إلى حد ما غريبة عني. لكن يمكن القول إن هذه النصوص تضع عليّ بدورها أسئلة عن المسائل التي اشتغلت عليها. تطلب مني هذه النصوص أن ابتعد عن نفسي و أن أنظر إلى الأمور بمنظار مختلف.

ما دام لا يوجد تاريخ محدد للأدب العربي انطلاقا من مقوماته البنيوية وثوابته الشكلية و مرتكزاته الثابتة أو المغيرة، فهل يمكن وضع منظومة ثابتة لنظرية الأدب؟

ـ ليس هناك منظومة ثابتة لنظرية الأدب. فمفهوم الأدب يختلف بحسب العصور والسياقات الثقافية. الأدب كما كان يفهمه ابن المقفع ليس هو الأدب الذي نتداوله اليوم.

هل ينبغي الاقتصار على ربط الأدب بالتخييل كما عند جاكبسون وآخرين، أم ينبغي البحث عن معايير ومؤثرات متداخلة بالمستجدات العلمية والمعرفية الجديدة في عالم الكومبيوتر والانترنت والحضارة الرقيمة؟

ـ سؤال كبير يحتاج إلى الاستفاضة في الكلام. نختصر بالقول: التخييل أساس مهم في الأدب كما أوضح ذلك عبد القاهر الجرجاني في كتابه «أسرار البلاغة».

إذا كان الأدب يتميز عن اللاأدب بارتفاعه عن الكلام العادي والأسلوب السفلي المنحط، فأين هو المعيار الأخلاقي لأدب الغرابة والخرق والانزياح والتخريب لما هو سائد ومنطقي ومألوف؟

ـ العمل الأدبي هو الذي يضع القاعدة الأخلاقية التي ينبغي أن نحكم عليها من داخل العمل الأدبي نفسه.

هل يجوز نزع المسؤولية الأخلاقية تماما عن الأدب؟ أو ليس كل نوع أدبي متمثلا بسلعة أدبية تحمل رسالة أخلاقية؟ وهل يجوز تحييد الأدب كليا عن المؤثرات الأخلاقية الخارجية؟

ـ ما ننتظره من الأدب هو أن يضع أسئلة تغني نظرتنا إلى العالم، وليس من الضروري أن تكون هناك أجوبة
.
هل ستعالج في كتاباتك المقبلة على المستوى النقدي، ثنائيات أخرى غير الضعف والقوة أو الانغلاق والانفتاح كثنائيات الخاص والعام والمطلق والنسبي والداخلي والخارجي والنفس والجسد والحركة والسكون والخير والشر والزمن والمكان والسرعة والبطء والفرح والترح والماضي والآتي؟

ـ منذ القرن التاسع عشر والعرب يعيشون ثنائية الانفتاح والانغلاق والضعف والقوة، وليس في الأفق ما ينبئ عن إمكانية التجاوز إلى معالجة ثنائيات أخرى…

سؤال أخير، خارج السياق. هل أحببت بيروت في حالها اليوم؟

ـ بيروت جميلة وأتمنى أن أعود إليها مستقبلاً.

هل تذكرك بيروت بمدينة مغربية؟

ـ بيروت تشبه طنجة.

والرباط؟

ـ لا. الرباط تدير ظهرها للبحر الأبيض المتوسط، بينما بيروت تنظر إلى هذا البحر…

 

عن السفير اللبنانية

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail