يوميات مثلي في الأربعين

 

 

جميل

وها أنا أجلس في مقهى من المقاهي الشبكية التي تنتشر في المولات، أضع أمامي اللابتوب ولا أقرأ ما فيه بحق؛ أضعه قبالتي كي لا يحاسبني أحد على وحدتي. أسوأ الأمور -بمعنى أسوأها اسوأها- عندما يتحول الوالدان إلى أطفال؛ أي تنقلب الآية. عندما تصبح والدًا لأبويك أو أحدهما في حال موت الثاني وعندما تكون مثليًا حقيقيًا –غير متزوج ولديك أطفال بهدف إرضاء المحيط- تكون الكارثة، خاصة عندما تجد أمك أرملة في وجهك فجأة وهي سعيدة جدًا (صدقوني) بالصفقة التي منحتها إياها الطبيعة: ابن لا يحب النساء. صفقة رائعة لا توجد امرأة أخرى تنافسك يا أمي.. أنت المرأة الوحيدة وأنا أعرف أنك تعرفين أنني أعشق الرجال وأنني عندما أخرج إلى الشارع لا أرى غيرهم.

وأنا أعرف أنك تحلمين في أحلامك الرطبة أننا نجلس سوية أيام الأحد عصرًا نحتسي الشاي على الطريقة الإنجليزية ونشاهد المسلسل المصري الذي لا تفهمين منه شيئًا، ثم تقولين لي نفس الجملة: صارو الممثلات بمصر شرشوحات. وين أيامات فاتن حمامة وسعاد حسني ونادية لطفي؟ ثم تحدثينني للمرة الـ 35657853 عن فيلم “الوسادة الخالية” حين شاهدته أنت وأبي أثناء الخطبة في دار السّينما في حيفا، وكيف ضبطك أخوك عندما كان يتسكع مع “بيلا” اليهودية، جميلة الهدار. ثم تطلبين مني أن أحضر لك صندوق التطريز لتحدثيني عن حكاية كل قرص وقرص وتدخلينني عميقا عميقا إلى مكان مريح.. كئيب .. مريح، ولكن يبعث على الشفقة ويذكرني بأغنية شارل إزنافور “لا بوهيم”.

هذا ما تريدينه يا أمي بعد أن خانك جميع أبنائك وتزوجوا وأنجبوا من نساء لا تحتملينهن وتلعنين اليوم الذي رأيتهنّ فيه. لقد حصلت على جائزة مثالية: زوج/ابن لا يحب النساء ويهتم بالموضة ويجيد التحدّث عن الممثلات والجّارات والأمور النسائية الصغيرة. تستطيعين تفعيله متى شئت ولا تخجلين أن تطلبي منه مرافقتك إلى المرحاض أو مساعدتك على الاستحمام وحتى النوم إلى جانبك ليلا حماية لك من ملائكة الموت، كي لا تخطف روحك. كما أنه يتجوّل مع شعور قاتل بالذنب، لا يعرف مصدره ومسبباته. شعور يجعله معلقا على سلسلة ككافة قلاداتك التي ورثتها والتي ستتركينها لزوجات أبنائك اللواتي تكرهين، وليس له. لن تتركي لي أية ليرة ذهبية ولا بنططيفا من سوق الناصرة ولا حتى أفعى عيار 18… لأنني لا شيء.. لا شيء يستحق.

أسوأ الأمور -بمعنى أسوأها أسوأها- عندما يتحول الوالدان إلى أطفال- أي تنقلب الآية. ولكن أسوأها بحقّ عندما أشاهد آباء في سني وأصغر مع أطفالهم وأولادهم وبناتهم. آباء لا ينتهون يتدفقون بلا توقف، هم وأبناؤهم وبناتهم في المجمعات والحدائق والجادات والسينمات والشواطئ.عندها أتمنى الموت بحق! الموت بجرعات لا تخلص ولا حدود. موت لا توفقه سوى ابتسامة طفل افتراضيّ…

 

عن قديتا

 

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail