مقاطع من روايه اللاز / الطاهر وطار

 

– إذا كنت أحب. أحب. ليس هناك من يحب، كل الناس مجبرون.
– أي نعم مجبرون. وهذا ما أردت إقناعك به.
وساد بينهما صمت طويل، كانا أثناءه يفكران في الجبرية، حمو يرى أن الوضع الذي أصبح
عليه الناس من فقر، وبؤس، وعري، وجهل، ومرض، وظلم، وجَور، يجبرهم على العمل من أجل
التخلص منه. وهذا العمل ليس سوى الثورة، ليس سوى التمرد على الأسياد، على كل شيء على
هؤلاء الأسياد الذين كما يقول أخوه زيدان لم يفهموا، ولا يريدون أن يفهموا إِلا أمرًا واحدًا،
هو مصلحتهم… مصلحتهم التي تتعارض مع مصالح جميع الناس… بل تقتضي أن لا يكون لأي
أحد عداهم، مصلحة ما…
هكذا خلقوا، كما يقول زيدان.
بينما قدور يرى أن الحرب تعم يومًا بعد يوم، وفرنسا يقوى تكالبها يومًا فيومًا، ولا أحد
يستطيع أن يظل محايدًا يواصل عمله في الدكان أو في غيره، دون أن ينجو من تهمة التعاون مع
أحد الطرفين… لقد انتهت كل معالم الحياة العادية أو تكاد… بل لقد سقطت المرآة، وتطايرت
شظايا…
رغم أنه لا فائدة من الالتحاق بالثورة، فإن الالتحاق بفرنسا فيه خسارة.
– إذن أنت متصل بها.
ما يزال قدور مترددًا. ف ّ كر حمو، ثم سأله:
– وأنت هل تنوي؟
يحثني ويسألني… هذا الصديق الحميم تغير، تغير تمامًا، لقد سقطت المرآة فوق صخرة
وتهشمت… نزع ثقته مني دفعة واحدة، لم يعد يكشف لي خبايا قلبه، كما كنا قبل أشهر بل قبل
أسابيع قلائل… عجيبة حمو ينظر إلى، كما لو أنني أنا الذي تغيَّر لا هو… لقد فسد كل شيء في
هذه الحياة، حتى الصداقة
لم يبق في المرآة شيء، سقطتها كانت قوية.
حدث قدور نفسه ثم تساءل:
– يا حمو، من تغير منا؟
لا أنا ولا أنت. الظروف تغيرت. أنا فقير، فقير جدًا، أقل من الفقير… وأنت متوسط الحال،
بل غني. دكانكم يعمر شيئا فشيئًا، وأرضكم صرتم تفلحونها وحدكم. بعد مدة تشترون شاحنة، وبعد
مدة أخرى تشترون جرارًا، وتكبرون، تكبرون حتى لا يبقى في إمكانكم تمييز من تحتكم…
نحن لا شيء يربطنا بالماضي، وأنتم لا شيء يدفعكم إلى المستقبل، ولم يبق بيننا إِلا رابط
واحد، هو الحاضر… هذا الحاضر الذي أتعاون وزيدان أخي، وكل الفقراء على صنعه، والذي
تريدون أنتم أن تبقوا متفرجين عليه… بعضكم يتفرج والبعض الآخر يعمل على عرقلته وهدمه:
– يا ابن عمي، في حين أنا غاطس… أنت متردد.
– لابد، لابد أن أنضم إليكم… إنني معكم، واحد منكم. إذا خرجت فرنسا، أتزوج زينة وأشتري
الحمام.
– وتزيد خمسة دورو في أجرتي.
أضاف حمو ساخرًا، ثم استطرد:
– أنت من الآن، واحد من المجاهدين… سنتفق فيما بعد على كيفية العمل. لكن السر… يجب
أن لا يعلم أحد بعملنا غير من نتفق عليه.
ومند الغد، بدأ العمل مع حمو… شراء الأدوية، والأحذية، والمواد الغذائية، وإرسالها إلى حيث
لا يدري… وكم ذهل حين رأى حمو الفقير البئيس، يخرج الملايين من جيبه، بينما عائلته تتضور
جوعًا، ولباسه ممزق رث كالعادة، بل و عمله الشاق لم يتغير، وشعر بعطف واحترام، لهذا
الصديق العجيب… وفهم أكثر من قبل، أن الثورة، أن هذا العمل الذي يقوم به حمو، وزيدان، وكل
الفقراء وحتى هو أخيرًا، عمل جاد عظيم، لا بد أن يغير الأوضاع فع ً لا، كما يقول حمو. أكثر من
ذلك، شعر باحتقار المال الذي كان يظن أنه سر الحياة.

قريبة، قريبة جدًا. متى بعدت؟ إن كنت تحب أن تعمل، فالأمر سهل.
– إذا كنت أحب. أحب. ليس هناك من يحب، كل الناس مجبرون.
– أي نعم مجبرون. وهذا ما أردت إقناعك به.
وساد بينهما صمت طويل، كانا أثناءه يفكران في الجبرية، حمو يرى أن الوضع الذي أصبح
عليه الناس من فقر، وبؤس، وعري، وجهل، ومرض، وظلم، وجَور، يجبرهم على العمل من أجل
التخلص منه. وهذا العمل ليس سوى الثورة، ليس سوى التمرد على الأسياد، على كل شيء على
هؤلاء الأسياد الذين كما يقول أخوه زيدان لم يفهموا، ولا يريدون أن يفهموا إِلا أمرًا واحدًا،
هو مصلحتهم… مصلحتهم التي تتعارض مع مصالح جميع الناس… بل تقتضي أن لا يكون لأي
أحد عداهم، مصلحة ما…
هكذا خلقوا، كما يقول زيدان.
بينما قدور يرى أن الحرب تعم يومًا بعد يوم، وفرنسا يقوى تكالبها يومًا فيومًا، ولا أحد
يستطيع أن يظل محايدًا يواصل عمله في الدكان أو في غيره، دون أن ينجو من تهمة التعاون مع
أحد الطرفين… لقد انتهت كل معالم الحياة العادية أو تكاد… بل لقد سقطت المرآة، وتطايرت
شظايا…
رغم أنه لا فائدة من الالتحاق بالثورة، فإن الالتحاق بفرنسا فيه خسارة.
– إذن أنت متصل بها.
ما يزال قدور مترددًا. ف ّ كر حمو، ثم سأله:
– وأنت هل تنوي؟
يحثني ويسألني… هذا الصديق الحميم تغير، تغير تمامًا، لقد سقطت المرآة فوق صخرة
وتهشمت… نزع ثقته مني دفعة واحدة، لم يعد يكشف لي خبايا قلبه، كما كنا قبل أشهر بل قبل
أسابيع قلائل… عجيبة حمو ينظر إلى، كما لو أنني أنا الذي تغيَّر لا هو… لقد فسد كل شيء في
هذه الحياة، حتى الصداقة
لم يبق في المرآة شيء، سقطتها كانت قوية.
حدث قدور نفسه ثم تساءل:
– يا حمو، من تغير منا؟
لا أنا ولا أنت. الظروف تغيرت. أنا فقير، فقير جدًا، أقل من الفقير… وأنت متوسط الحال،
بل غني. دكانكم يعمر شيئا فشيئًا، وأرضكم صرتم تفلحونها وحدكم. بعد مدة تشترون شاحنة، وبعد
مدة أخرى تشترون جرارًا، وتكبرون، تكبرون حتى لا يبقى في إمكانكم تمييز من تحتكم…
نحن لا شيء يربطنا بالماضي، وأنتم لا شيء يدفعكم إلى المستقبل، ولم يبق بيننا إِلا رابط
واحد، هو الحاضر… هذا الحاضر الذي أتعاون وزيدان أخي، وكل الفقراء على صنعه، والذي
تريدون أنتم أن تبقوا متفرجين عليه… بعضكم يتفرج والبعض الآخر يعمل على عرقلته وهدمه:
– يا ابن عمي، في حين أنا غاطس… أنت متردد.
– لابد، لابد أن أنضم إليكم… إنني معكم، واحد منكم. إذا خرجت فرنسا، أتزوج زينة وأشتري
الحمام.
– وتزيد خمسة دورو في أجرتي.
أضاف حمو ساخرًا، ثم استطرد:
– أنت من الآن، واحد من المجاهدين… سنتفق فيما بعد على كيفية العمل. لكن السر… يجب
أن لا يعلم أحد بعملنا غير من نتفق عليه.
ومند الغد، بدأ العمل مع حمو… شراء الأدوية، والأحذية، والمواد الغذائية، وإرسالها إلى حيث
لا يدري… وكم ذهل حين رأى حمو الفقير البئيس، يخرج الملايين من جيبه، بينما عائلته تتضور
جوعًا، ولباسه ممزق رث كالعادة، بل و عمله الشاق لم يتغير، وشعر بعطف واحترام، لهذا
الصديق العجيب… وفهم أكثر من قبل، أن الثورة، أن هذا العمل الذي يقوم به حمو، وزيدان، وكل
الفقراء وحتى هو أخيرًا، عمل جاد عظيم، لا بد أن يغير الأوضاع فع ً لا، كما يقول حمو. أكثر من
ذلك، شعر باحتقار المال الذي كان يظن أنه سر الحياة.

 


Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail