فراشة جافة تماماً / رماح جبر

 

 

 

 

هل ستفهم ما يعنيه أن يُبلِّل مطر مفاجئ في أيلول قدميَ المكشوفتين وأكون سعيدة؟؟ .. لست اُحبك، بل أُحب قصيدتي التي تتحدث عنك

 

 

عودة

 

الجدرانُ قطنية
البابُ حدودٌ مستطيلةٌ من نَملٍ مَيِّت، رَسَمَهُ مبيدٌ حَشريّ
النوافذُ عيونٌ تُحدِّقُ في الضوءِ ولا تفتحُ فَمَهَا
التلفازُ مُنكَبٌّ في تفكيرٍ عَميق
كُلُّها، الجدرانُ، البابُ، النوافذُ والتلفاز تَختَفي مع حَرَكَة المفتاحِ الدائِريَّةِ في القِفل
كُلُّها تُودِّعُني بشتائِم وتتمنى أنْ لا أعود
وكذلكَ يفعلُ الأولادُ الذين يلعبون الكُرةَ في ساحةِ البيت الأمامية

**

سائقُ التاكسي ينظرُ في مرآتِهِ ويقول:
جميلة
لكنَّه يرفُضُ أن يُوصِلَني إلى المكان الذي أُريد
**

أجِدُهُ بصعوبة نبضَ القلبِ في رَقَبَتي
لكنَّ مَعِدَتي تنبضُ رَغم خَوائِها
تنظرُ في فمي وتقولُ طبيبةُ القلب
أنتِ بحاجةٍ للحبّ
أنظر في شهاداتِها المعلَّقةِ على الحائِط
وأقول
أنا بحاجةٍ لفرشاةِ أسنانٍ جديدة

**

الشمسُ تنزلُ من السماء وتتبعُني
وتَتْرُكُه ذلكَ الرجل الذي لا يكترثُ للظِلّ
كم أتمنى لو أجْعَلْه يَتَجمّدْ

يُدخِّنُ ثم يُدخِّن
ولا يَنتبهُ لِلقِرْطِ الجديدِ في أُذُنَيّ

بائعُ القهوةِ وقف هناك
لا يريدُ الشيكلين
يريدُ أن يعرفَ ماذا حلَّ بذلك الرجل
لكنّهُ أعطاني الكأسَ البلاستيكيّ
أخيراً

**

أسناني بُنيَّة
قلبي يَنبضُ بسرعة
سأتوقفْ
لكنَّ صيدليّةً لا تغلقُ أبوابَها
تمشي باتجاهي

قُلْت
أُفضِّلُها حَمراءَ
وناعِمَة
ناعِمَةً جدّاً ..

**

غَضِبَ الأولادُ
شعرتُ بهم من بعيد
يكرهون عودتي رغمَ ابتسامتي النظيفة
الكرةُ اختفتْ
النوافذُ، البابُ، الجدرانُ، والتلفاز
كُلُّها كانت هناك
كُلُّها
إلا رائِحَتَهُ
أنا أيضاً أكْرَه عودتي

فراشة جافة تماماً

 

عيناي مفتوحتان
كآلي ..
صباحاً، ببطءٍ، بترددٍ أقتلُ
فراشةً وقفتْ بلا حِراك على بابِ خِزانتي
فأكسَبُ نَدَمي
فإنسانيتي
***
ما زلتُ
أكره الريح التي تأتي بِهِ
ذلك الشَلَلُ الذي يصيبُني عند الثامِنة
***
على الأرضِ ترمي الريح بأوراق شجر
بأغلفةٍ نصف جافَّة
لحبات شوكولاتة تخلَّصَ منها أطفالٌ أو كبارٌ قبل يوم
فأجمعها
لا تقلقني نظافة الشارع
بل ان لا اجد شيئا يغضبني
و يسبب لي اضطرابا في النوم
غيرك
وتطيرُ
الأوراقُ الجافَّة
فألاحقها

سأمرُّ عنك
لكن أطرافَ قلبي ليسَتْ معي

أهذي
أنا
حين لا أعرفُ ماذا أُسمي ذلك الشللَ
الذي يُصيبُني
عند الثامنة ِصباحا ًمن كلِّ يوم
تبقى عالقاً في الطريق
نصفَ جاف ّ
وأحزن عليك كثيراً
و أهزأُ من نفسي

فكيفَ أخطوك
مثلما خطوتُ تلك الفراشةَ
الجافَّةَ تماماً على بابِ خِزانتي
دون ندم

غربي

 

تسحبُ السماءَ نحوَك
كلَّ يوم
ولا تَمَلّ
تسحبُ الشمس

أيُّها الغربيّ
خُذْ وقتَك في الذهول
ليسَ عبثاً أنَّ الكونَ يسيرُ باتجاهِك
ليسَ عبثاً
أنَّ الشمسَ لا تُغيِّرُ اتجاهَهَا
ليس عبثاً أنّي أنْتظِر

 

سِجِلٌّ طِبِّي

 

ماضيه ابتسامةٌ
أسنانهُ استقامة ضوء ينفذ بين أصابع نخلة

ماضيه
يدٌ ليستْ طويلةً
ليستْ قويةً
لكنْ قريبةً من غُرَّةِ القلْب
قريبةً جداً جداً
حدَّ الحُب
***
لم يعرفْ يوماً كيفَ يسقي
نبتَتَهُ ..
لم يعرفْ أنَّ الماءَ موتٌ أيضاً

لكنَّه صار يعرفُ الوقتَ حبتَيْنِ
زَرْقاوَيْن
اثنتَيّ عشرةَ ساعةً
ثم مِثلُها
يسهلُ الألمُ حينَ ينقسمُ اثنَيْن

لم يعرفْ كيفَ يحلُمُ المرضى
ونسيَ كيفَ يحلُمُ الأصحَّاء
لكن يدَهُ كانت تنامُ على الوسادةِ مفتوحةً
**

حضرَ الطبيبُ
قالَ، ربَتَ، فتحَ، قلَّب ، كتبَ، أغلق،
لم يبتسم
غادر
**

الأمنياتُ بعدَ زيارةِ الطبيبِ
ظلَّت كما كانت
الابتسامةُ بعدَ زيارةِ الطبيبِ
صارت أعمَقْ
الحُلُم بعد زيارةِ الطبيبِ
ظلَّ تائِهاً
الموتُ بعدَ زيارةِ الطبيبِ
صارَ صديقاً
الحب قبل زيارة الطبيب
الحُبُّ بعد زيارةِ الطبيب
ظلَّ يداً مفتوحة

عَلِقتْ يَدي

ماتَتْ يدي على الوسادةِ قُرْبَه
ماضيه يدٌ ممدودَةٌ
وابتسامةٌ عميقةٌ
وحاضِرُه ترابٌ
ترابٌ نديّ

في زيارة خاصة

 

صورةٌ خلفَ زجاجٍ مُزدَوج وسماعةٌ واحدةٌ منزوعةُ الاحتمالات
الصورةُ واضحة، الصوتُ واضح
الصوتُ يأتي أما الابتسامةُ فترتطمُ بالزجاجِ وتعود
الصوتُ يصلُ حيّاً
الصورةُ تموت
والأملُ ينتقلُ عبرَ الكابلِ بالتناوب، مرةً يروح ومرةً يأتي
الأملُ عبرَ طبقاتٍ أربعةٍ ينفذ
ثم تعودُ ابتسامتانِ كلٌّ إلى مكانِها

 

أحد عشر انشاً مربعاً

 

كان يدورُ يدورْ
حولَ الهواء
كان الهواءُ يقفُ بانتظارِهِ إنْ أبطأَ الخُطى
وصوتُ التصفيقِ يُسرعُ ثم يُبطيء
يأتي مترافقاً
يأتي منفرداً

كان هو يصفِّقُ بيدٍ واحِدَة

محتفياً بصورتي المتقطعةِ عبرَ شاشة 11 انشاً
كان يقول سأشتري واحدة أكبر
وسأرى عينيكِ فيها فقط

سأشتري أخرى لقلبِك
كنتُ أقول
الاتصالُ غيرُ واضِح
فيقول:
سأشتري ثالثة احتياطية

الاتصالُ متقطِّعٌ قُلْتْ
لم يسمعْني

كان يصفِّقُ بيدٍ ويحملُ أحد عشر انشا مربعة في الأخرى
كان يصفقُ الجميعُ حولَه

عندما اختلى بها في غرفةٍ مضيئة
صارَ حزيناً
اختلَفَتْ أبعادُ الشاشة
صارَت قُرْباً
صارتْ وحداتَ بيكسل لا أكثر

تَشوّشَ قلبُه
تَشوَّشَ قلبُه
ثم انقطعَ الاتصال

عاد إلى خشبة المسرح
وعدتُ أنا للنوم

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail