ماركيز – 84 عاما من السحر

أحمد فاضل

 

هنأت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية في الثامن من مارس / آذار 2012 الكاتب الكولومبي الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز بعيد ميلاده ال 84 والذي أحتفل به في يوم 6 مارس / آذار من هذا الشهر ، وذلك بإعادة نشر ثلاث مقالات عنه كانت قد نشرتها في أوقات سابقة قدمتها هدية له وللمحتفلين بهذا العيد من قرائه ومحبيه ، وماركيز الحائز على جائزة نوبل وصاحب ” الحب في زمن الكوليرا ” و ” مائة عام من العزلة ” وهما من أشهر الروايات العالمية على الإطلاق والذي تحفل قصصه ورواياته بإسلوب الواقعية السحرية وكثيرا ما عارض الحكومة الكولومبية في كتاباته حينما كان يعمل في الصحافة آنذاك ، أراد بهذا الإحتفال أن يهدي قرائه أيضا رواية جديدة حملت عنوان ” سنلتقي في آب ” لكنه لم يعط موعدا للإفراج عنها وربما يعد بمفاجأة تكون قريبة للذين يكنون له كل هذا الحب والتقدير ، هنا نقدم إثنان منهما وهما قرائتان لكتابين صدرا في مناسبتين مختلفتين وتصدرا قائمة الكتب الأكثر مبيعا عنه.

في مقالها الأول تناولت الصحيفة قراءة لكتاب الكاتبة جيرالد مارتن ” غبرييل غارسيا ماركيز : حياته ” وهو سيرة ذاتية صدر في العام 2009 حيث تقول في مقدمة مقالها : “جبل من المعلومات استطاعت الكاتبة مارتن من جمعه عن ماركيز لتباشر بعد ذلك عملها في كتابة السيرة الذاتية عنه فكان يصعب ما يمكن أن يكون عليه هذا الكم من المعلومات لكنها في النتيجة هذه السيرة التي ظهرت ب 672 صفحة تعقبت فيها غارسيا ماركيز من الطفولة حتى إسطورته الأدبية التي حاز عليها وقد مرت بسبع من رواياته وعشرة من قصصه ، إنها إخراج حقيقي لثروة ماركيز الأدبية بالوقت الذي كانت مارتن حريصة على جوهر هذا الكاتب وأعماله المرتبطة بحياة الناس وأماكن عاشها كما في رائعته مائة عام من العزلة التي لخص فيها الحياة الكولومبية من خلال مدينته الصغيرة أراكاتكا التي ولد فيها عام 1927 ، وعندما كان لايزال طفلا انتقل والداه بعيدا عنه وتركاه لأخته وجدته يعيش وسط هذه المدينة المتوحشة كما يصفها ماركيز وكان منزل جده وجدته لايخلو من الناس فعماته وضيوف آخرين من موظفين وهنود كانوا يعبرون إليه كلما أرادوا النزول إلى هذه المدينة ، مارتن وهي تحكي عن طفولته لاتنسى أن تقول لنا أنه وعند بلوغه الثامنة من عمره يتوفى جده فيعود إلى والديه وأخوته الصغار ، والده الصيدلي أو ” الطبيب المشعوذ ” كما يصفه يكافح من أجل سعادة عائلته ومسقبلهم ينتقل ماركيز حين يتخطى دراسته الأولية لإكمالها في بوغوتا حيث يدرس القانون هناك لكنه يتركها لصالح الصحافة ليس فقط لأنه يعشق الكتابة ولكنه يريد أن يرى العالم فعاش في باريس وقام في جولة في روسيا وانتقل لفترة وجيزة إلى نيويورك لتغطية أخبار الثورة الكوبية من هناك بقيادة فيدل كاسترو والذي يدافع عنه ماركيز في كتاباته .

حين انتقل إلى العيش في مكسيكوستي نشر عددا من قصصه القصيرة رغم أنها لم تلاقي النجاح المطلوب فبدأ يشعر أنه قد خسر نفسه ككاتب ، لكن مارتن تطلعنا أنه ولغرض نسيان ذلك الإنكسار النفسي أخذ عائلته في عطلة إلى أكا بولكو ومن هناك تحول بسيارته إلى مدينة المكسيك حيث قضى 18 شهرا يكتب روايته ” مائة عام من العزلة ” ، ولكونه لم يكن يملك المال الكافي لإرسال فصولها النهائية للناشر فقد أضطر لرهن بعض ما تملكه زوجته من مصوغات وبيع بعض الأجهزة لدفع رسوم البريد .

كان نجاحا كبيرا غير متوقعا لهذه الرواية وأصبح غارسيا ماركيز بين عشية وضحاها من المشاهير وبدا أن كل شيئ مر عليه كان يقاسمه أحداثها إبتداءا من حنينه إلى أراكاتكا التي أطلق عليها إسم ماكوندو ، حتى جده وجدته ، وملاحظاته السياسية التي دونها في أسفاره وشعوره بالوحدة والإغتراب ، جميعها اختزنها فيها مذ كان صبيا وشابا بعد ذلك ، حتى السلطة والحب تقول مارتن كانا محورا لأعماله .

واصلت مارتن في سيرتها هذه رحلتها خلال ما تبقى من حياة غارسيا ماركيز وتابعت ما كتبه من كلاسيكيات مثل ” خريف البطريرك ” الصادرة عام 1975 ، و “ وقائع موت معلن ” عام 1981 و ” الحب في زمن الكوليرا ” عام 1985 و ” متاهة ” عام 1989 ، هذه الروايات ربطت وبقوة بين الإنسان والحياة بشكل وثيق .

أما المقال الثاني الذي قدمته الصحيفة فهو عرضا لكتاب ” فيدل وغابو : دراسة لعقود طويلة بين فيدل كاسترو وغابرييل غارسيا ماركيز ” لمؤلفيه انجيل استيفان و ستيفاني، كتبه تايلور بارنز في 9 سبتمبر/ آب 2009 والذي يقول فيه : الشعراء والسياسيين كالنفط والماء لايمكن خلط أيا منهم على نحو سلس جدا ، ولكن الحائز على جائزة نوبل في أمريكا اللاتينية الأكثر شهرة ماركيز وكاسترو الأطول حكما جمعتهما صداقة حميمية قال عنها ماركيز في لقاء صحفي عام 1977 أنه لم يعرف رجلا أحلا منه وقد لايكون معروفا على نطاق واسع أن فيدل مثقف جدا ، الكتاب يلفت إنتباه القراء على أنه كان دراسة نشرت سابقا عن غارسيا ماركيز ومقابلات أجريت مع كاسترو وإن معظم صفحاته ال 700 تحدثت عن ما كان يدور بينهما من قضايا أدبية وسياسية وحتى التاريخية وهي مثيرة للإهتمام حقا ، منها أن غارسيا ماركيز كان يرسل مخطوطات رواياته وقصصه إلى كاسترو ليقرأها ويعلق عليها كما ذكر ذلك لصحيفة البايس الإسبانية عام 1996 ، ومع تطور هذه العلاقة يورد الكتاب كيف رتب ماركيز لإطلاق سراح حوالي 3000 سجين في الجزيرة الكوبية على الرغم من أن بعض مؤرخي تلك الحقبة يعتقدون أن العدد مرتفع ومغال فيه لكنه يعكس في كل الأحوال العلاقة القوية بينهما حتى أن كاسترو منحه شقة في الجزيرة لتاكيد قيمة وأهمية مكانته الفكرية لديه .

الكتاب حفل كثيرا بأسرار لم تذع سابقا عن تلك العلاقة وتطرقت صفحاته عن الكثير من الأمور السياسية كالتدخل العسكري الكوبي في أنغولا والحياة اليومية للكوبيين تحت الحصار وهروبهم اليومي إلى أمريكا بأعداد كبيرة ، وهو بالتالي يشكل وثيقة هامة عن علاقة الكاتب بالسياسي لايمكن لأي جهة أن تصدق أو تؤيد بقلب أبيض تلك العلاقة.

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail