الكتابة النسوية وهيمنة التقاليد / ادوارد سعيد

مقالة فرجينيا وولفغرفة للمرء خاصة به” هي نص حيوي للمثقفين العصريين من دعاة الحقوق النسوية. فعندما دعيت وولف الى القاء محاضرة عن النساء والأدب القصصي، قررت منذ البدء أن ذهابها الى أبعد من مجرد ذكر استنتاجها – وهو أنه اذا كان للمرأة أن تكتب القصص، فلا بد من أن يتوافر لها المال وتكون عندها غرفة خاصة بها – يحتم عليها تحويل مقترحها الى حجة منطقية، وهذا بدوره يلزمها بنسق تصفه على النحو التالي : “يستطيع المرء أن يبين فقط كيفية توصله الى الإيمان بالرأي الذي يؤمن به، أيا كان هذا الرأي”. وتقول وولف أن الكشف عن حجتها هو بديل عن قول الحقيقة مباشرة، لأن الحديث عن الجنس سوف يؤدي على الأرجح الى مشاجرة بدل المناظرة : “بامكان المرء فقط اعطاء أفراد جمهوره الفرصة كي يخرجوا بالاستنتاجات التي يتوصلون اليها بأنفسهم وهم يراقبون محدوديات محدثهم، وانحيازاته، و خاصياته”.
وما لا ريب فيه أن هذه المناورة تنجح في نزع الفتيل، لكنها تنطوي أيضا على مجازفة شخصية. فهذا المزيج من الرهافة الهشة والحجة المنطقية يزود وولف بثغرة مثالية تمكنها من دخول موضوعها، لا كصوت دوغمائي يرد حرفيا كلمات المستشهد بأقواله، بل كمثقف يمثل “الجنس الأضعف” المنسي، بلغة ملائمة تماما لهذه المهمة، وبالتالي فإن جدوى “غرفة للمرء خاصة به” تكمن في افراز حس جديد من اللغة والسلطة اللتين يتسم بهما ما تسميه وولف المجتمع الأبوي، تجاه الوضع الإنقيادي للنساء، الذي من المعتاد أيضا عدم التفكير فيه. ومن هنا كانت تلك الصفحات الرائعة عن جين أوستن التي أخفت مخطوطها، أو عن الغضب الدفين الذي تفاعل في نفس شارلوت برونتي، وهذا هو الأكثر اثارة للإعجاب، عن العلاقة بين قيم الذكر، أي الجنس المهيمن، وقيم الأنثى، أي الثانوي والمطبق عليه.
وعندما تصف فيرجينيا وولف كيف أن هذه القيم الذكورية مكونة قبل أن تشهر المرأة قلمها لتكتب، فإنها تصف أيضا العلاقة التي تسود حين يبدأ المثقف الفرد في الكتابة أو الكلام. فهناك دائما بنية من القوة والنفوذ، وتاريخ حافل من القيم والأفكار المفصح عنها سابقا، وأيضا، وهذا هو الأهم بالنسبة الى المثقف، ثمة جانب خفي لها على الدوام هو الأفكار والقيم والناس الذين يشبهون الكاتبات التي تبحث وولف في أمرهن.

 

عن صور المثقف / ادوارد سعيد
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail