في كشك الهاتف بعد نهاية العالم / ميشيل ولبيك

تنتهي روايتك الأخيرة “احتمال جزيرة” في مكان معزول يسكنه مستنسخون وحيدون. ما الذي دفعك الى تخيل مستقبل مخيف يستنسخ فيه الإنسان قبل وصوله منتصف العمر؟*
أميل الى أن نظرية المساواة بين الجنسين “feminism” لا تشكل أساسا للياقة الاجتماعية/السياسية (Political Correctness). المرجعية الرئيسية أقبح من ذلك، ولا أحد بإمكانه أن يتكلم عنها، انها ببساطة “كره الشيخوخة”. اشكالية سيطرة الرجل على المرأة هي اشكالية ثانوية ، مهمة لكنها ثانوية بالمقارنة مع ما كنت أريد ايصاله في الرواية وهو أننا نعيش في عالم من الأطفال، أطفال كبار. اختفاء التواصل الوراثي يعني أن الرجل العجوز اليوم هو عبارة عن خراب لا قيمة له. الشيء الذي نعطيه القيمة العليا هو الشباب، لذلك تصبح الحياة كئيبة وبشكل أوتوماتيكي، تصبح حياة مسكونة بفكرة الشيخوخة.

في مقدمتك ل “احتمال جزيرة”، ذكرت صحافيا الهمك بفكرة الرواية. هل بامكانك الإيضاح؟
كانت لحظة غريبة. كنت جالسا في مقهى برليني على بحيرة بانتظار مقابلة صحافية. كانت العاشرة صباحا، وكانت المقابلة هادئة حيث لم يكن أحد في الجوار. وصلت الصحافية الألمانية التي لاستغرابي الشديد لم تكن تحمل مسجلا ولا دفترا لتسجيل الملاحظات. قالت الصحافية “حلمت أنك كنت في كشك للهاتف بعد نهاية العالم، وكنت تتحدث مع البشرية دون أن تعلم أذا كان هناك أحد يسمعك على الطرف الآخر من الهاتف”. تلك الحادثة كانت تشبه فيلم زومبي

قاد ذلك الى الفكرة الأساسية للرواية : مستنسخ يكتب تقريرا لخليفته
فكرت في الحدث. أنا في كشك الهاتف بعد نهاية العالم، ويبدو أنني أتكلم دون أن أعلم إن كان هناك أحد على الطرف الآخر أو أنني أتكلم مع نفسي. بدا لي ذلك كمجاز يصف كل رواياتي. أخذت الفكرة تعتمل في رأسي لوقت طويل، كنت حينها أكتب روايتي الثالثة. بعدئذ، اشتريت شقة في أسبانيا وارتحلت هناك في يناير، لم يكن أحد هناك، كنت وحدي في بيت على شاطئ معزول، مما أعطاني شعورا أنني استشرف نهاية العالم. كتبت الصفحات الأولى، ولوقت طويل لم أكتب شيئا.

كيف بدأت بالاهتمام بطائفة الرائيليين، التي ألهمت فكرة الطائفة الدينية الغريبة في كتابك؟
قرأت كتبا عن الطوائف وحضرت مناقشات في هذا الموضوع

وماذا حدث في المناقشات؟
كان هناك مناقشات مع “النبي” الذي تكلم عن أن الحياة ستسير الى الأفضل بفضل العلم. التعاليم هي عبارة عن خليط من الحديث عن التقدم العلمي والجنس، وهو ما يجذب المشاركين في تلك المناقشات الذين يتحدثون عن مخلوقات فضائية متقدمة عنا تقنيا، وبأمكانهم تزويدنا بالسعادة التقنية.

لماذا جعلت الشخصية الرئيسية في القصة كوميديانا؟
جاءت الشخصية لسببين. السبب الأول أنني عندما ذهبت الى تركيا، كان هناك عرضا للمهارات تم تحضيره من قبل الضيوف. كانت هناك فتاة في الخامسة عشرة من عمرها وكانت تغني لسيلين ديون، وكان ذلك الأمر بغاية الأهمية لتلك الفتاة. قلت لنفسي: يا رجل، هذه الفتاة جادة في أمر الغناء. كان أمرا مضحكا، لأنني في اليوم التالي رأيتها تتناول الفطور بمفردها. قلت في نفسي: كأنها عزلة النجم!. أحسست أن اهتماما من هذا النوع قد يقرر حياة بأكملها. يتمتع الكوميديان بذات التجربة، فهو يكتشف أن بإمكانه أضحاك الناس، وابتداء من تلك اللحظة يتغير كل شيء. السبب الثاني أنني كنت أعرف امرأة كانت رئيسة تحرير لإحدى المجلات وكانت تدعوني دائما لحفلاتها المسايرة للموضة بوجود كارل لاجرفيلد على سبيل المثال. أردت أن أستخدم شخصا هو جزء من العالم الذي نعيش.

كأي كوميديان، أنت تستعمل موضوعات سياسية حساسة، وتأخذها الى مناطق جارحة ومهينة، لكنها مضحكة، تجعلك تضحك بسبب الصدمة
أنت تضحك لأن الإهانة تدعي انها تقول ما هو واضح وبين. قد يكون ذلك بعيدا عن الكتابة الأدبية لكنه قريب من الحياة اليومية الخاصة. بإمكانك أن تقول “حسنا، عليك أن تعترف أن الإسلام دين غبي” ضمن سياق حياتك الخاصة. هذا النوع من الكلام الاعتذاري هو جزء من الثقافة الفرنسية. على سبيل المثال، حدثتني فتاة عن صديقة لها قبيحة وتناصر الحق بالإجهاض. كانت الفتاة تصف لي محادثة بينها وبين صديقتها وثم قالت “لا أريد أن أكون لئيمة، لكن من الذي يفكر في مضاجعة تلك المرأة وجعلها حاملا”. في المحادثات اليومية، يستخدم الفرنسيون هذا الطراز من الإهانة الاعتذارية بشكل دائم، هنالك جانب من المنطق السليم في ذلك، وهو ما أحبه تماما.

أنت تمتلك حسا خاصة بالنسبة للإهانة. هل تتمتع بهذه الممارسة؟
نعم، أتمتع بها، تشعرني بالرضا
قلت سابقا أنك شعرت بالفخر بالنهاية الشعرية المنتشية لرواية “احتمال جزيرة” عندما يترك المستنسخ مكانه المغلق دون اذن ليهيم في الصحراء للبحث عن مستنسخ آخر.
شخصيا، أحب المقطع الختامي لرواية “احتمال جزيرة”. لا أعتقد انها تشبه أي شيء كتبته من قبل، لكن لم يلتفت أحد الى ذلك. من الصعوبة بمكان أن أشرح ذلك، لكنني أشعر أن هنالك شيء جميل جدا في ذلك المقطع. أنه يفتح الباب، فيبصر عالما آخر. عندما كتبت الفقرة لم أفكر بالقصة، كنت مخمورا بجمال المفردات.
أعددت بشكل خاص لذلك الجزء من الرواية. توقفت عن الكتابة لأسبوعين. لم أفعل شيئا، أعني لا شيء، لم أر أحدا. بشكل مبدئي، ليس من الجدير بالكاتب أن يتوقف عن الكتابة، من المأساة أن يتوقف الكاتب عن الكتابة لفعل شيء آخر، لكن في تلك الحالة، فقد توقفت عن كل شيء، حتى أمكن الشهوة من النمو.

 

*عن باريس ريفيو. عدد ٢٠٦
حوار أجرته سوزانا هنويل . ترجمة: أشرف الزغل

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail