حوار عن الريف، المرأة والكتابة / أليس مونرو

نشأت أليس مونرو الفائزة بجائزة نوبل للآداب لعام 2013 في بيئة ريفية في مقاطعة أونتاريو الكندية. في مقابلة مع باريس ريفيو تشرح مونرو تلك الظروف التي ساهمت في جعلها تكتب في الهامش عن حياة الفتيات الريفيات، علاقاتهن، تربيتهن، ونشأتهن في وسط مجتمع ذكوري محافظ. تتحدث مونرو في اللقاء التالي عن نموها ككاتبة، وجهة نظرها في كتابة المتن، كتابة الريف، والكتابة الإبداعية وطقوسها في الكتابة.

– متى ابتدأت الكتابة؟
كان عمري 11 أو 12 عاما
– هل كنت تكتبين بشكل جدي عندما التحقت بالجامعة؟
نعم. لم تكن عندي فرص أخرى لأنني لم أمتلك نقودا. كانت الفرصة تتمثل بمنحة جامعية لمدة سنتين فقط، كانتا بمثابة إجازة بالنسبة لي. كان وقتا رائعا. في مراهقتي كنت مسؤولة عن أعمال المنزل، وكان دوامي في الجامعة مناسبة رائعة لعدم القيام بالواجبات المنزلية.
– هل تزوجت بعد إكمالك السنتين في الجامعة؟
تزوجت بعد السنة الثانية، كان عمري 20 عاما عندما رحلنا من أونتاريو إلى فانكوفر. كان الرحيل مغامرة كبيرة بالنسبة لي، كنت صغيرة وكان عمر زوجي 22 عاما. أسسنا حينئذ نموذجا لائقا بعائلة كندية من الطبقة الوسطى، كنا نفكر في أمتلاك بيت واطفال، وفعلنا ذلك.

– وهل كنت تكتبين خلال تلك الفترة؟
عندما كنت حاملا بطفلي الأول كنت أكتب بشكل محموم، لأنني كنت أعتقد أنني لن أتمكن من كتابة شيء بعد ذلك. كل حمل كان يدفعني بقوة لكتابة شيء كبير. في الحقيقة، لم أتمكن من كتابة شيئ كبير حينئذ.
– هل عندك وقت مفضل للكتابة؟
عندما كان أبنائي صغارا، كنت أبدأ الكتابة بعد ذهابهم إلى المدرسة. عملت بشكل شاق في تلك السنوات، كنا – أنا وزوجي – نمتلك حانوتا للكتب، كنت أقضي ساعات الصباح في البيت وأذهب وقت الظهر إلى الحانوت. كنت أقوم بأعمال المنزل بالإضافة إلى الكتابة.
– حين تبدئين بكتابة قصة، هل تعلمين من قبل بماهية القصة ومكوناتها؟
ليس كليا. القصة التي تمتلك شيئا جيدا هي عرضة للتغيير الدائم. على سبيل المثال، أنا في صدد كتابة قصة الآن، أعمل فيها كل صباح، وتبدو بشكل ممتاز. لكنني لا أحبها، ربما أحبها بعد حين. في البداية، أقيم علاقة صداقة أو عشرة مع القصة بحيث تكون في رأسي لمدة طويلة قبل أن أكتبها. حين أبدأ بكتابتها أبدأ من مكان عميق منذ البداية لأنني على علاقة مسبقة مع القصة.
– ماذا تفعلين عندما تدركين أنك في اتجاه كتابة / سرد خاطئ؟
قد أكتب ليوم كامل وأشعر أن كل شيء على ما يرام بحيث أن عدد الصفحات المكتوبة أكبر من المعتاد. أصحو في اليوم التالي بشعور آخر أنني لا أريد كتابة القصة بتاتا. عندما أحس أنني لا أريد الاقتراب من عملي المكتوب، أو أحس أنني أدفع نفسي دفعا للكتابة، أحس أن هنالك مشكلة حقيقية في العمل. أحيانا أصل إلى استنتاج أن أترك القصة نهائيا، وأقضي أياما بعد ذلك في حالة اكتئاب تنتهي ببداية قصة جديدة. يشبه الأمر حالات الحب عندما ننتهي من علاقة ما ببؤس كبير وإحباط، لنبتدئ بعدها علاقة جديدة دون أن نحب الرجل الجديد بشكل حقيقي، لكننا لا نعرف ذلك بعد.
– نعلم أنك سافرت كثيرا لكن عملك القصصي يخضع بشكل أصولي للبيئة الريفية. هل قصص الريف أقرب إليك من قصص المدن؟
عندما تعيش في قرية صغيرة، تسمع قصصا عن فئات كثيرة من الناس. في المدينة تسمع قصصا عن أناس يشبهونك فقط. في حالتي كمرأة، هناك قصص عديدة يرويها أصدقائي. جمعت قصصا حقيقية كثيرة خلال حياتي في الريف، قصصا كنت سأقرؤها في الصحف لو عشت في مدينة ما.
– فزت بجائزة الحاكم العام لكندا عن كتابك الأول، وهي جائزة تكافئ جائزة البوليتزر في أمريكا. قلما يحدث أن يفوز كتاب أول بجائزة البوليتزر في أمريكا. عندما يحدث ذلك، يدخل الكاتب في مرحلة من المعاناة
حسنا، لم أكن شابة وقتها، لكن ذلك كان شاقا بعد فوزي بالجائزة، لم أستطع كتابة شيء لسنة كاملة لأنني كنت أفكر بكتابة رواية. كتابي الأول لم يحصد شعبية كبيرة، بل على العكس لم يشتريه أحد. لم يسمع به أحد بالرغم من أنه فاز بجائزة الحاكم العام. كان بإمكانك الذهاب إلى حوانيت الكتب للسؤال عن الكتاب دون أن تجده.
– هل كنت قارئة جادة في صغرك؟ ما الأعمال التي أثرت في كتابتك؟
كانت القراءة حياتي حتى أصبحت في الثلاثين من عمري كنت أعيش في الكتب. تأثرت كثيرا بكتاب الجنوب الأمريكي. تعلمت منهم أن هناك ما يكتب عن القرى الصغيرة، وسكان الريف، وكل التفاصيل التي كنت خبيرة بها. كنت أفضل الكاتبات، فلم أكن أحب فوكنر، بل أحببت يودورا ويلتي، فلانيري أوكنر، وكاثرين آن بورتر. نشأ عندي إحساس أن المرأة قادرة على كتابة شيء عن الغريب والهامشي.
– وقد فعلت ذلك ككاتبة؟
نعم. أحسست أن تلك المنطقة في الكتابة هي منطقتي، في الوقت الذي كانت فيه الرواية الرئيسية “mainstream” رواية الرجل. لا أعلم كيف كان عندي ذلك الشعور أنني في الهامش، لم يكن ذلك لأن أحدا ما دفعني إلى هناك. لعل ذلك يرجع إلى أنني تربيت في الهامش، كنت أعلم أن هناك شيئا ما يخص الكتاب الكبار لكنه بعيد عن إدراكي أو متناولي. شعرت بالإنزعاج حين قرأت د. لورنس (D.H. Lawrence)، كان يزعجني تعامل الكتاب مع المرأة كموضوع جنسي.
– ما رأيك بالواقعية السحرية؟
أحببت كثيرا “مائة عام من العزلة”، تبدو سهلة التقليد، لكنها ليست كذلك. يبدو رائعا أن يحمل النمل طفلا وليدا، أن تصعد العذراء إلى السماء، عندما تمطر زهورا. أحببت أيضا أعمال ويليام ماكسويل عندما يضع الكلب كشخصية في رواية له. إنه يتعامل مع موضوع تافه بمعنى ما لكنه يطرحه بشكل بارع.
– هل كنت سعيدة أنك تكتبين في الهامش؟
نعم. وهذا ما أريد قوله. لم يكن في استطاعتي البقاء ككاتبة دون ذلك. لعل ذلك يرجع إلى عدم ثقتي بفهمي لأمور كان يفهمها غيري بشكل أكبر وأعمق. كان بالإمكان الحكم أنهم يمتلكون ثقة أكثر صلابة من ثقتي. لكن، من الصعب بمكان أن نحدد ذلك بالنسبة لكاتب ما؛ من الواثق؟

عن باريس ريفيو-1994

ترجمة: أشرف الزغل

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail