حديث خاص مع أبي موسى الأشعري / أمل دنقل

amal-dongool(حاذيت خطو الله، لا أمامه، لا خلفه..)
(1)
.. إطارُ سيارته ملوثٌ بالدم!
سارَ.. ولم يهتم!!
كنتُ أنا المشاهدَ الوحيد
لكني.. فرشت فوق الجسد الملقى جريدتي اليوميَّة
وحين أقبل الرجال من بعيد..
مزقت هذا الرقم المكتوب في وريقة مطوية
وسرتُ عنهم.. ما فتحتُ الفم!!
* * *
(حاربتُ في حربهما
وعندما رأيتُ كلا منهما.. مُتَّهما
خلعت كلا منهما!
كي يسترد المؤمنون الرأيَ والبيعة
.. لكنهم لم يدركوا الخدعة!)
* * *
حين دلفتُ داخل المقهى
جردني النادل من ثيابي
جردته بنظرة ارتيابِ
بادلته الكرها!
لكنني منحته القرشَ: فزين الوجها..
ببسمة.. كلبية.. بلْها..
ثم رسمتُ وجهَهُ الجديدَ.. فوق علبة الثقاب!
(2)
رأيتهم ينحدرون في طريق النهر..
لكي يشاهدوا عروس النيل – عند الموت – في جلوتها الأخيرة
وانخرطوا في الصلوات والبكاء.
وجئت.. بعد أن تلاشت الفقاقيعُ، وعادت الزوارقُ الصغيرة
رأيتهم في حلقات البيع والشراء
يقايضون الحزن بالشواء!
.. تقول لي الأسماك
تقول لي عيونها الميتة القريرة:
إن طعامها الأخير.. كان لحما بشريا..
قبل أن تجرفها الشِّباك
يقول لي الماءُ الحبيسُ في زجاج الدورق اللماعْ
إن كلينا.. يتبادلان الابتلاع!
تقول لي تحنيطة التمساح فوق باب المنزل المقابل
إن عظام طفلة.. كانت فراش نومه في القاع!!
* * *
(خلعت خاتمي.. وسيدي.
فهل ترى أحصي لك الشامات في يدي
لتعرفيني حين تُقْبلين في غد
وغسلين جسدي
من رغوات الزبد؟!)
* * *
في ليلةِ الوفاء
رأيتها – فيما يرى النائمُ – مهرةً كسلى
يسرجها الحوذي في مركبة الكراء
يهوى عليها بالسياط، وهي لا تشكو.. ولا تسير!
وعندما ثرتُ.. وأغلظت له القولا..
دارت برأسها..
دارت بعينيها الجميلتين..
رأيت في العينين: زهرتين
تنتظران قبلةً. من نحلة هِيضَ جناحُها.. فلم تعد تطير!
.. رأيتها – فيما يرى النائم – طفلة.. حبلى!
رأيتها.. ظلا!
وفي الصباح: حينما شاهدتها مشدودة إلى الشراع
ابتسمت، ولوَّحَت لي بالذراع
لكنني: عثرتُ في سيري!
رأيتني.. غيري!
وعندما نهضت: ألقيت عليها نظرة الوداع
كأنني لم أرها قبلا!
فأطرقت خجلى..
ولم تقل إني رأيتها.. ليلا!
(3)
خرجتُ في الصباح.. لم أحمل سوى سجائري
دسستها في جيب سترتي الرمادية
فهي الوحيدة التي تمنحني الحب.. بلا مقابل!
* * *
رؤيا:
(ويكون عام.. فيه تحترق السنابل والضروعْ
تنمو حوافرنا – مع اللعناتِ – من ظمأٍ وجوع
يتزاحف الأطفال في لعق الثرى!
ينمو صديد الصمغ في الأفواه،
في هدب العيون.. فلا ترى!
تتساقط الأقراطُ من آذان عذراوات مصر!
ويموت ثديُ الأمِّ.. تنهضُ في الكرى
تطهو – على نيرانها – الطفلُ الرضيع!!)
* * *
حاذيتُ خطوَ الله، لا أمامهُ.. ولا خلفه
عرفت أن كلمتي أتفه..
من أن تنال سيفَه أو ذهبَه
(حين رأت عيناي ما تحت الثياب: لم يعد يثيرني!)
قلبت – حينا – وجهَي العُملة
حتى إذا ما انقضت المهلة
ألقيتها في البئر.. دون جلبة!
وهكذا.. فقدتُ حتى حلمه وغضبه.
* * *
(عيناك: لحظتا شروق
أرشف قهوتي الصباحية من بُنِّهما المحروق
وأقرأ الطالع!
وفي سكون المغرب الوادع
عيناك، يا حبيبتي، شجيرتا برقوق
تجلس في ظلِّهما الشمس، وترفو ثوبها المفتوق
عن فخذها الناصع!)
(4)
… وستهبطين على الجموع
وترفرفين.. فلا تراك عيونهم.. خلف الدموع
تتوقفين على السيوف الواقفة
تتسمعين الهمهماتِ الواجفة
وسترحلين بلا رجوع!
……………………
ويكون جوع
ويكون جوع!

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail