يا من يلوم على حمراء صافية

مقتطفات من: أخبار أبي نواس / لأبي هفان عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي (195هـ) ; تحقيق عبد الستار أحمد فراج. — 1 ط.. — القاهرة : مكتبة مصر, [1954]. — 160 ص. ; 24 سم.. — (عيون الأدب العربي)

Abu Nawas Laghoo
تمثال أبي نواس في بغداد

أبو هفان قال : وحدثني العتبي :

أن أبا نواس كان عنده محمد بن زهير في يوم من أيام شهر رمضان يتحدث وكان محمد شديد المحبة له مغرما بقربه، فتذاكرا الشراب فقال: يا أبا علي كيف صبرك عنه بالنهار، فقال: صبر ضعيف لا أحمده ولا أعده صبرا وإن كنت استوفى ليلا ما يفوتني نهارا ولو أجد مساعدا ما فقدته ولا فقدني في ليل ولا نهار. ثم أنشأ يقول:


لو أن لي سكنا في الناس يسعدني       لما انتظرت لشرب الراح إفطارا
الراح شيء عجيب أنت شاربه          فاشرب وإن حملتك الراح أوزارا
يا من يلوم على حمراء صافية          صر في الجنان ودعني أدخل النارا

وقال أبو نصر: رأيت أبا نواس يوما وهو يكنس مسجدا فقلت له: ما هذا؟ فقال” أردت أن يرفع إلى السماء في هذا اليوم خبر ظريف”.

قال رجل سائل لأبي نواس هب لي هذه الجبة. فقال: إني لا أملك غيرها. فقال له السائل: إن الله تعالى يقول ((ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)) فقال له أبو نواس بسرعة: هذه الآية نزلت في شهر تموز في حق أهل الحجاز ولم تكن نزلت في شهر كانون في حق أهل بغداد.

أبو هفان قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن أبي المنذر قال: كان أبو عيسى بن أبي جعفر المنصور شديد المحبة لأبي نواس فلما حبسه الرشيد في شرب الخمر وفيما يذكره في شعره من العظائم كتب إلى أبي عيسى بهذه الأبيات يسأله أن يشهد له بالتوبة عند الرشيد قال:
بلغ الصوت فنادي             يا أبا عيس الجوادا
كن عمادا يا ابن من كا       ن غياثا وعمادا
وتدارك جسدا قد ما           ت أو قد قيل كاد
قل له- إن قال: هل تا         ب نعم تاب وزادا
واضمن التوبة عني          فإذا ما عدت عادا

قال فكلمه أبو عيسى فيه حتى أطلقه.

أبو هفان قال: حدثت أن أبا نواس كان يشرب مع الأمين فنشط الأمين للسباحة فلبس ثياب ملحم ولبس كوثر مثل ذلك ووقعل في البركة فنظر أبو نواس إلى بدن محمد فرأى شيئا لم ير مثله قط فلما كان من غد، غدوت لأسأله عن خبره معه فقال لي: ويلك رأيته فرأيت بلية لا توصف وفتنة لا تطاق ثم أنشأ يقول:
إني لصب ولا أقول بمن       أخاف من لا يخاف من احد
إذا تفكرت في هواي له       مسست رأسي هل طار عن جسدي
إني على ما ذكرت من فرق    لآمل أن أناله بيدي
فقلت له: اتق الله في رأسك فإنه إن بلغته قتلك، فأمسك إنشادها وطواها عن الناس جميعا.

قال : وكان أول اتصاله بالرشيد أنه دخل وهو شاب بعض المساجد عشاء فوجد الإمام في الصلاة فصلى خلفه فقرأ الإمام : “قل يا أيها الكافرون” فقال ابو نواس ” لبيك. فتواثب الناس إليه وشهدوا عليه بالكفر ورفع خبره إلى الرشيد فأمر بإحضاره فأحضر وأحضروا معه حمدويه صاحب الزندقة فأخبره بحاله وسأله عنه فقال يا أمير المؤمنين ما أعرفه وهو يشبه أنه رجل ماجن ليس بزنديق، فقال له الرشيد : قد وقع في نفسي منه فامتحنه، فوضع له صورة وقال له ابصق عليها فأهوى بفيه ليقيء عليها فلم يطاوعه القيء فامتخض عليها فضحك الرشيد منه وعلم أنه ماجن، واتفق أنه أتى في ذلك الوقت برجل زنديق من الثنوية فأمره أن يبصق على الصورة فقال: ليس البصاق من شأن أهل المروءة فأمر بعض خدمه أن يذهب بهما لابن شاهك ليؤدب أبا نواس ويخلي سبيله ويحبس الزنديق حتى يتوب فلما صاروا في بعض الدار سأل الخادم: أين تذهب بنا؟ فقال: إلى السندي ليحبسك ويؤدب هذا ويطلقه فرفع أبو نواس كفه وصفعه صفعة محكمة وقال يا ابن الفاعلة استثبت ما قاله أمير المؤمنين. فبصر الرشيد بهم وأمر بردهم وسأله عن السبب فقال: يا أمير المؤمنين عكس المعنى، أراد أن يطرحني بحيث أنسى ويطلق هذا الزنديق فضحك منه وأمر بإطلاقه.

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail