في أحوال الذئاب / حسين حبش

223406-wolves3-howling-wolvesرويَ: أنه في يوم القيامة ستهبُّ رياحٌ قوية، ستقلع الأشجار وتهزُّ أركان الجبال. لن يبقى إنسان ولا حيوان ولا نبات. ستزول الحياة وتندثر، إلا الذئب سيبقى متشبثاً بالأرض، غارساً مخالبه في التربة، مقاوماً، معانداً، حتى تسلخ قوة الرياح جلده من ذيله إلى فروة رأسه!

***

سألوا الذئب: لماذا تغافل الرعاة وتنقضُّ على قطعانهم دون رحمةٍ؟ تعجَّب الذئب من السؤال مجيباً: الذنب ليس ذنبي، بل هو ذنب مخالبي القوية، وأسناني الحادَّة، وبطني الجائع.
قَصُّوا له مخالبه القوية وكسروا أسنانه الحادَّة وملأوا بطنه الجائع.
قال يائساً: لم يعد لي نفعٌ، اقتلووووووني.

***
رويَ: أنَّ الذئب يبقى ذئباً، لا يغيِّر من جلده وطبائعه كما يغير البشر من جلودهم وطبائعهم. مرةً أخذ رجلٌ جروَ ذئبٍ، وقام بتربيته في البيت كجروِ كلبٍ. حين كَبِرَ الجرو قليلاً، أراد الرجل أن يختبر مدى ألفته، فوضعه بين القطيع وراح يراقبه. نظر الجرو يمنة ويسرة، مستكشفاً المكان…ثم كشَّر عن أنيابه، وأنقضَّ على رقبة خاروفٍ ممتلئ، راكضاً به إلى خلف الأسوار، حيث الغابة. قال الراوي: ألمْ أقُلْ لكم بأن الذئب يبقى ذئباً، لا يغير من جلده وطبائعه كما يغير البشر من جلودهم وطبائعهم؟

***

“وإذا كان عليّ أن أصرخ مع الذئاب، فإنني سأفعل، ومن حين لآخر سيقول لي الذئب: “أنت تصرخ أفضل منا نحن الذئاب” فريدريش نيتشه.

***

قلتُ يا أبي: لماذا تلمع عيون الذئاب في حلكة الليالي؟
قال يا بني: إذا كانت عيناك لمبتان صغيرتان، فعيون الذئاب تشع مقدار شمسين أو أكثر، فاحذرها!

***

الذئاب التي أحبها: ذئب البوادي لهيرمان هيسه. الرقص مع الذئاب لكيفن كوسنر. ذئب الفرزدق حين يقول فيه: وأطلس عسال وما كان صاحباً/ دعوته بناري موهناً فأتاني. وكذلك ذئاب قاسم حداد: “ما أجملك أيها الذئب (جائع وتتعفف عن الجثث)”. ولي أيضاً (ذئبةٌ ـ قصيدة) أحبها، وأقول فيها: أنا الذئب،/ سيِّد البراري/ أرى في الظلمة ما لا يراه غيري/ أثق بقوَّة مخالبي وأقتنص فرائسي/ كأنني في نزهة./ أنا الذئب صديق البرق والرعد والزمهرير/ عويلي يرعب الغابة بأكملها/ وبنادق الصيادين تقدِّم ليَّ فروض الطَّاعة./ قاطع طريقٍ من الطراز الرفيع أنا/ لا أهاب أحداً/ ولا أتردَّد هنيهة حين أعيِّن هدفي/ أدكُّ القوافل والقطعان من كل الجهات./ أنا الذئب أثق بعيوني/ كما أثق بوجودي/ أرى في الظلمة ما لا يراه غيري/ وأرى في العصيان لذتي. أما الذئاب التي لا أطيقها أبداً: الذئب الذي خدع براءة الفتاة ذات القبعة الحمراء حين انقضَّ عليها وافترسها مع جدتها المريضة. وكذلك لا أطيق الذئاب الرمادية الطورانية التركية، الشرسة والدموية. وكذلك الذئب الذي أكل يوسف.. أقصد أخوته الذئاب الذين رموه في البئر واتهموا الذئب البريء بدم أخيهم.

***

قالوا للذئب ننصحك بأن تعقل قليلاً وتبتعد عن القطعان. قال: هيا هيا بسرعة انهوا كلامكم، يكاد القطيع أن يضيع من أمام عينيّ.

***

قال للذئب: اسجدْ لبني آدم، قال: ما أنا بساجد.
وأكملَ متسائلاً: هل تسجد الأنياب للأسنان والمخالب للأظافر؟

 

عن جدلية

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail