تقديس المربع والمثلث في الجاهلية / حسين البرغوثي

1. هندسة الكعبة :
Hussein Barghouthi Laghooهناك روايتان عن لماذا سميت الكعبة باسمها هذا، حسب الرواية الأولى، التي تهمنا هنا، نسبة لشكلها المكعب. في الحقيقة أن شكلها مربع، ولكن إن أضفنا إلى سطوحها الأربعة (أي عدد الجدران) سطحي السقف والمصطبة، يكون عندنا “مكعب” يشبه قطعة النرد، أي ستة مربعات. والعدد (6) هو ضعف عدد زوايا المثلث، بينما عدد الزوايا في “قطعة النرد” هو ( 8)، أي ضعف عدد زوايا المربع.

وصلة ذلك بهندسة المعلقات السبع أن عدد تفعيلات أي بحر من البحور الأساسية التي كتبت عليها المعلقات هو، أيضا، إما (6) أو (8)، أي إما ضعف مثلث أو ضعف مربع (عند الخليل بن أحمد هناك أوزان ثانوية هي 2، 3، 4 وأوزان أساسية هي 6، 8).

 

2. كان الجاهلي عندما يجد نفسه بعيدا عن الكعبة، ولا يستطيع الطواف حولها، يختار (4) حجارة، ثم يختار من بين الأربعة أصلحها، ويطوف حوله. ويدعى مثل هذا الحجر بحجر “ذوار”، ويذكره امرؤ القيس في معلقته :

وعن لنا سرب كأن نعاجه         عذارى ذوار في ملاء مزمل

وأما الثلاثة أحجار الباقية فيضع عليها “قدره” للطبخ وتقديم القرابين للآلهة. والأحجار الثلاثة تشكل تحت القدر مثلثا. هنا نجد الربط بين المربع والمثلث المقدسين: أولا، في انتقاء (4) حجارة، ثم ثانيا، اختيار واحد منها بحيث يكون عدد الأحجار المتبقية ثلاثة.

 

3. كانت القبائل العربية تقدس الرقم (3). فزمنيا، كل ثلاث ليال كانت تعتبر وحدة زمنية واحدة لحساب الزمن. والسنة كلها (12 شهرا قمريا عربيا) كانت تقسم على (3) فينتج رقم (4) : الوحدة الزمنية الأخرى عندهم. (4) أشهر المربع الأول، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، كانت مقدسة، أي أشهرا حرما، حرام فيها الصيد والحرب وسفك الدماء. والمربعين الباقيان (8 أشهر( حلال. وزمن الحج انسجاما مع قدسية المثلث والمربع، كان في الشهرين الثالث والرابع من الأشهر الحرم. وكذلك، كان القمر يدعى” قمرا” بعد ثلاث ليال إلى آخر الشهر، وقبل ذلك يدعى “هلالا”، أي أن الهلال يصير قمرا وهو ينتقل من اليوم (3) إلى اليوم (4) في التقويم القمري العربي (المنجد. مادة قمر). يبدأ حساب العرب للشهر القمري بظهور الهلال في الليلة الأولى التي تعتبر مع النهار الذي يليها “يوما”، وبالتالي ينتقل الهلال إلى قمر في يوم (3) و (4).

 

4. إضافة إلى هذا، كان الثالوث المسيحي المقدس (الأب والابن والروح القدس) معروفا في الجزيرة العربية. ولكن كان العرب من غير المسيحيين يعبدون ثالوثا آخر هو القمر “أود”، والشمس “اللات”، وكوكب الزهرة “العزى”. معبد الشمس كان في الطائف، وانسجاما مع تقديس المربع، كان المعبد صخرة مربعة بيضاء بنت عليها قبيلة ثقيف بيتا يبدو أن شكله كان مربعا أيضا، وكانت قريش تعظم هذا البيت، مع جمع العرب. ويذكر القرآن الكريم مثلثا آخر كان مقدسا هو اللات والعزى ومناة : “أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى”.
ويبدو أن امرأ القيس في مطلع معلقته يشير إلى المربع والمثلث المقدسين:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل             بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ            لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ

إذ أنه يتكلم مع إثنين غيره، فعدد الواقفين ثلاثة … أما لماذا هذا الرقم بالذات، حسب الزوزني في كتاب “شرح المعلقات”، فلأن العرب تخاطب الواحد كإثنين، “لأن الرجل يكون أدنى أعوانه إثنين : راعي أيله وراعي غنمه، والرفقة أدنى ما تكون ثلاثة …” يحدد امرؤ القيس نفسه مكان الوقوف بأنه كان بين أربعة أمكنة : دخول، وحومل، وتوضح، والمقراة. وهذا المكان تنسجه ريحان من بين (4) رياح مشهورة عند العرب هي : الجنوب والشمال والصبا والدبور، وعدد الرياح يرتبط بعدد الجهات الأربع، أيضا.

 

حسين جميل البرغوثي (5 مايو 1954-1 مايو 2002) شاعر ومفكر فلسطيني

“السادن والناقة قصص عن زمن وثني” إعداد وتحقيق: مراد السوداني

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail