الكاتب والمحَرَّم – مع لواء يازجي

لواء يازجي سينمائية وممثلة وشاعرة سورية من مواليد دمشق في 18 يونيو 1977. حاصلة على (دبلوم دراسات عليا) في قسم اللغة الإنكليزية من جامعة دمشق وخريجة (المعهد العالي للفنون المسرحية)، قسم الدراسات المسرحية. عملت في مجال الدراماتورجيا في عدة عروض لفرقة (المعهد العالي للفنون المسرحية)، بالإضافة إلى عملها كمبرمجة لعروض المسرح والرقص المحلية في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، وكعضو في لجنة اختيار عروض الأوبرا السورية عام 2009.

لها العديد من الإسهامات في مجال الكتابات النقدية والترجمة وكتابة السيناريو والإخراج، بالإضافة إلى كونها عضو في لجان قراءة نصوص درامية لصالح عدة جهات منتجة. شاركت كممثلة في فيلم (مطر أيلول) 2010 وشاركت مع المؤلف (محمد أبو لبن) كتابة مسلسل (الأخوة) 2014. شاركت كمخرج مساعد في فيلم (نوافذ الروح) عام 2011 ونشرت المسرحية الأولى (هنا في الحديقة). في 2014 ترجمت مسرحية (أنقذ) للكاتب الإنكليزي (إدوارد بوند) وأخرجت أول عمل لها وهو الفيلم الوثائقي (مسكون) الذي عرض في عدة مهرجانات عالمية يُذكر منها مهرجان (دبي) السينمائي ومهرجان (القارات الثلاثة) بنانت بفرنسا. كما نشرت أيضاً ديوانها الشعري (بسلام من البيت نخرج) في 2014.

 

يسعدنا في لغو استضافة الكاتبة والفنانة المميزة لواء يازجي ضمن حوار تناول بشفافية عالية وذكاء حرية الكلمة والصورة ودور الكاتبات العربيات في حركة الفن والجدل النقدي، والعلاقة بين الكتابة والمحرمات في الثقافة العربية.

 

1. هل ترين في الكتابة عن المحرمات فعلاً ضرورياً؟
أراه فعلاً طبيعياً وضرورياً… لكن ليس من باب تناول المحرمات لأجل تناولها وحسب، على الأقل هذا هو الأمر بالنسبة لي. أفضل أن تكون لدي حرية تناولها إن كان ذلك ضرورياً في سياق العمل الفني. لم يسبق أن كان لي عمل فني فكرته الأساسية هي تناول المحرم.. بقدر ما جاء تناول المحرم “إن كان يمكن قول ذلك” كعنصر أساسي في سياق العمل؛ سواء كان ذلك المحرم دينياً أو سياسياً.. أو.. أو..
لكنني بالطبع أجد ذلك أمراً ضرورياً؛ فوضع المسكوت عنه والمقدس، في سياق الجدل دون إخلال باحترمه، هي الطريقة المثلى لمقاربته.. أوليس الهدف هو تفكيكي وتحليلي في الدرجة الأولى؟ لذلك أجد المنطق في مقاربته أكثر جدوى من العنف.

2. هل هناك موضوع جدلي محدد تفضّلين الكتابة عنه أو تناوله دراميا ؟
ليست هناك أفكار جدلية جاهزة أفضل العمل عليها، الجدلية في صيغة السؤال هنا تحمل بداخلها بذور نقضها.. الجدل هو التفاعل مع المحيط بشكل من الأشكال. والثبات على اعتبار أمرما هو جدلي أو غير جدلي بالتعريف.. ربما هو أمر يقوّض فكرة الجدل.
أفهم ما هو المقصود بالسؤال طبعاً، ولدي أسلوبي ربما في مقاربة مواضيع محببة ربما وجدها المتلقي ذات طابع جدلي.. العناوين الجدلية العريضة كالجنس والدين والسياسة وغيرها يمكن أن تتغير زاوية مقاربتها جدلياً عبر الزمن حتى ضمن المفهوم الواحد… فربما كان الحديث عن المثلية الجنسية أكثر جدلية من الحديث عن الجنس بعمومه في وقتنا هذا مثلاً! أو الحديث عن الطائفية أكثر إثارة من الحديث عن الإلحاد.

3. هل هناك موضوع جدلي ترين أنه من الأفضل أو من الواجب عدم الكتابة والتعبير عنه؟
الجواب المباشر على هذا السؤال هو لا، لكنني أعيد التفكير ملياً الآن وأجد أنني أميل إلى التفكير في اللحظة التاريخية والسياق العام أثناء العمل على المنتج الفني ( فأنا أقوم بالكتابة المسرحية والشعرية والسيناريو التلفزيوني بالإضافة إلى الإخراج السينمائي). مما يعني أنني قد أجد اللحظة الراهنة ربما غير مواتية لتناول أمر ما (سواء لكونه “على الموضة” أو لأنه سيثير القارئ ويستقطبه أكثر بطريقة يصبح تلقي العمل الفني جزءاً من حدث سياسي ديني تاريخي أكثر منه عملاً فنياً)… في هذه الحالات ربما فكرت بالأمرملياً وبحسناته وسيئاته قبل أن أبداً.. رغم أنني أميل للردّ بأنه لم يحدث أن تترددت في العمل على فكرة ما لكونها جدلية.

4. هل تفكرين في القارئ أو الجمهور اثناء الكتابة أو الأداء؟
أفكر في القارئ في مراحل متقدمة جداً من العمل على المنتج الفني، أفكر بالتلقي: صعوبته وسهولته، مدى إمكانية الأفكار على الوصول… أفكار من هذا النوع هي ما يشغل بالي عند الوصول للمراحل المتقدمة من إنجاز العمل الفني أكثر منه ضمن منطق المحرّم. يهمني ألا يقلل العمل الفني من شان أو من احترم أي أحد بما يتناسب أيضاً مع الحرية التي يجب أن يتمتع بها العمل في قول ما يريد قوله.

5. . كيف توازنين بين المجازي والحقيقي في كتابتك؟
سؤال معقد ومتشعب.. يعتمد على النوع الفني الذي اعتمده، فهو تارة الكتابة المسرحية وتارة أخرى الشعر.. الدراما التلفزيونية أو السينما. ولكل لعبة قواعدها. ولكل عمل ضمن كل نوع فني خصوصيته، خفته وثقله… لغته وأدواته.
ربما عمومية هذا السؤال (في حالتي) يمكنها أن تسمح بعمومية الإجابة؛ سأتناول نصاً مسرحياً أنهي كتابته حالياً اسمه “ماعز” يحكي عن بلدة صغيرة في سوريا تفقد أبناءها في الحرب ويُقدم لهم الماعز كتعويض. ينوس في هذه المسرحية المجاز والواقع ويتحاوران لدرجة التطابق. الكناية أضحت حقيقة، والذي يعتبر خيالاً يملك كل المقومات-بالمقارنة- ليتحول إلى واقع حقيقي. في هذا النص، العلاقة بين المجاز والحقيقة هي فحوى النص الأساسية..
أحب الغروتسك، والكوميديا السوداء، وأجدني أميل إلى خيارات تسمح بهامش كبير لهما إن أمكن ذلك بالطبع.

6. هل تشعرين أنك تخونين فكرتك أحياناً بسبب الكتابة غير المباشرة؟
لا.. الكتابة أو الاعتماد على اللامباشرة هو خيار فني.. وأنا بشكل فعلي واع أقوم باختياره (إن اخترته) وليس بالاتكاء عليه. وفي المقابل لا أعتبر اختيار المباشرة أمر يستحق الثناء أو عدمه.. كلها بالنسبة لي خيارات فنية بالضرورة.
في قصيدة لي بعنوان “نظرة خاطفة” لا يأتي التعاطي مع الله كـ”محرّم” ولا ذكره بهدف تناول المحرمات.. ولا يمكنني أن أقول بأن هذه هي طريقة مباشرة بالتعامل مع المحرمات… ما هو مكتوب أحاول أن أعزوه للشعر وفقط.

“نظرة خاطفة”
لا أؤمن بالله
ولا يؤمن بي
لا يعدو الأمر أن يكون أكثر
من سائق الباص
الذي قد ينظر إليّ أحياناً من مرآته
وهو يقود.

7. من حيث الأولوية في التأثير الثقافي، كيف ترتبين الثيمات الجدلية التالية: الدين، السياسة، المرأة/الجندر؟
الدين، السياسة، الجندر
ورغم أنني أظن أن السياسة تسللت وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة في انتاجي الفني أكثر أكثر من الموضوع الديني، إلا أن تناول الدين له أثر أكثر أهمية في الوضع الراهن الذي نعيشه. وهنا تراني أعيد وأفرض العلاقة مع السياق في ترتيب الأولويات “الجدلية”. للأسف (وربما هذا أمر تاريخي لابد من الانصياع له) يتداخل البعد الديني والسياسي في سياقنا الراهن لدرجة يصعب معها فصل الأولويات؛ وليس تحديد المسؤوليات بالطبع.

8. هل تعرضت للنقد أو الإرهاب من قبل بسبب تناولك مواضيع جدلية في أعمالك؟
للنقد طبعاً، لكن للإرهاب لا.
النقد أمر طبيعي (حسب ماهية النقد طبعاً) وهو أمر مهم: ففي حال كان يعتمد على أسس موضوعية وتحليلية فهذا يساعد الفنان على تطوير أدواته وإعادة التفكير بها.. هو نقاش مهم في سيرورة العملية الفنية. وإن كان النقد غير مبني على أسس موضوعية أو تحليلية فهو مهم أيضاً بما يعكسه من أجواء وشخصنات ورواسب.. هو أيضاً مادة للتفكير من نوع آخر.. الأفضل دوماً أن يكون الفنان على دراية بالأوساط التي يتحرك فيها سلباً وإيجاباً وألا يعيقه ذلك عن تتمة مشروعه دون تضخم في الشخصية أو انكفاء.

9. هل بالإمكان ان يتعايش الجدلي والمقدس في العالم العربي؟
طالما أنا وجيراني نتعايش، وكل منا يشد الغطاء إلى طرفه لكن رغم ذلك نتعايش ونمزح ونلقي التحية صباحاً ومساءاً.. نتبادل الأطعمة والنكات.. طالما هذا المثال التبسيطي قائم (على الأقل) يمكنني أن أقول يمكننا ذلك. لا يعفينا هذا من مهمة التفكير بفصل الدين عن السياسة والسعي للتفكير بدولة قائمة على القانون.

 

 

أجرى الحوار: أشرف الزغل

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail