سيرة ذاتية للاحمر / ان كارسون

مقطع من رواية سيرة ذاتية للاحمر (Autobiography of Red) – للشاعرة الكندية ان كارسون Anne carson
ترجمة:  مامون الزائدي / قاص ومترجم من ليبيا

 

قبلة

 

Ann Carson Laghooجلس جريون على سريره في غرفة الفندق يمعن التفكير في شقوق وصدوع حياته الداخلية. وقد يحدث أن
مخرج تنفيس البركان قد اقفلته سدادة من الصخور،
مما دفع بالمواد المنصهرة جانبا على طول
الشقوق الجانبية التى تدعي شفاه النار من قبل علماء البراكين. لا يرغب جريون حتى الان أن يصبح واحدا من هؤلاء الناس
الذين لايفكرون في شيء سوى قصصهم عن الألم. انحنى على الكتاب على ركبتيه.
مسائل فلسفية.
“… أنا لن أعرف أبدا كيف ترى الأحمر وأنت كذلك لن تعرف كيف أراه. ولكن هذا الفصل في الوعي
لايُعرف إلا بعد فشلنا في الاتصال، فالتصرف الاول بالنسبة لنا هو أن نؤمن بوجود كينونة غير مقسمة بيننا. … ”
كان جريون وهو يقرأ يشعر بشيء مثل أطنان من المواد المنصهرة السوداء تغلي
داخل المناطق العميقة فيه .
نقل عينيه مرة أخرى إلى بداية الصفحة وبدأ مجددا.
“إن إنكار وجود اللون الأحمر هو إنكار لوجود الغموض. الروح التي تفعل ذلك ستصاب ذات يوم بالجنون. ”
رن جرس الكنيسة عبر الصفحة
وتدفقت الساعة السادسة مساء خلال الفندق مثل موجة.
برقت المصابيح ونشرت شراشف بيضاء نحو الأمام
هرع الماء في الجدران، وتحطم المصعد مثل فيل المستادون المنقرض داخل قفصه الاجوف.
أنا لست الشخص الوحيد المجنون هنا
قال جريون وهو يغلق الكتاب. وضع معطفه، وربطه كما يجب، وخرج.
في الشارع كانت ليلة السبت في بوينس آيرس. أسراب من الشبان الرائعين كان يفترقون ويتجمعون حوله.
أكوام من الرومانسية تسرب بخارها المشرق
على الرصيف من وراء الصحون الزجاجية. توقف للتحديق في نافذة مطعم صيني حيث
تتكدس أربعة وأربعين علبة من جوز اللايتشي في برج كبير بحجمه نفسه. تعثر بامرأة متسولة على الرصيف مع طفلين يتجمعان حول تنورتها . توقف عند كشك لبيع الصحف
وقرا كل العناوين الرئيسية . ثم طاف على الجانب الآخر حيث المجلات. الهندسة المعمارية، والجيولوجيا، وركوب الأمواج، رفع الأثقال، والحياكة والسياسة والجنس. الممارسة من الخلف
استرعت انتباهه (مجلة بكاملها مكرسة لهذا؟
شأنا تلو الأخر؟ سنة بعد سنة؟) ولكنه كان يشعر بالحرج الشديد لشرائها. واصل المشى. وذهب إلى محل لبيع الكتب.
تصفح قسم الفلسفة، حتى وصل إلى الكتب الإنجليزية بجميع أنواعها. تحت صف أجاثا كريستي
كانت رواية إلمور ليونارد (رصاصة الرحمة، كان قد قرأها ) ومختارات من قصائد والت ويتمان
في طبعة ثنائية اللغة.
ليس عليك وحدك تسقط بقع العتمة،
الظلام ألقى بقعه
علي أيضا،
أفضل ما استطعت فعلته
بدا لي خاويا ومشبوها،
كما انك لست وحدك
من يعرف ما تكون عليه
لتغدو شريرا …
انت نفسك من يعرف ماذا يكون الشر . وضع جريون والت ويتمان الشرير إلى أسفل وفتح كتابا من كتب المساعدة الذاتية
كان عنوانه (هل الغفلة هى ثمن سلامة العقل؟) أثار ذلك قلبه المفعم دوما بالأمل .
“الاكتئاب هو واحد من الانماط غير المعروفة للوجود.
لا توجد كلمات لعالم دون ذات، مرئيا بجلاء غير مشخّص .
كل ما تستطيع اللغة أن تسجله هي عودة بطيئة
إلى السهو نعدها صحية عندما يعيد الخيال تلقائيا تلوين المشهد
وتطمس العادة الإدراك و تأخذ اللغة
زهوها المعتاد “. كان على وشك طي الصفحة للحصول على المزيد من المساعدة
عندما انتبه لصوت .
مثل التقبيل. فتطلع حوله. كان عامل يقف في منتصف الطريق فوق سلم خارج
النافذة الأمامية للمتجر.
وكان طائر داكن اللون ينقض بسرعة عليه وفي كل مرة يقترب الطائر
منه كان الرجل يصدر صوت تقبيل من فمه –
تشقلب الطائر صعودا ثم هبط مرة أخرى بشيء من الاختيال والصياح. التقبيل يجعله سعيدا، فكر جريون
وشعور باللاجدوي يخترقه. التفت ليغادر فصدم بقوة
كتف رجل
كان يقف بجانبه – أوه! طعم الجلد الأسود الزنخ ملأ أنفه وشفتيه.
أنا أسف –
توقف قلب جريون فالرجل كان هرقل. بعد كل هذه السنوات، –
يختار للقاءنا يوما يكون وجهي فيه منتفخا !

 

  • * هامش المحرر:  اشتهرت كارسون في التسعينيات من القرن الماضي بأسلوبها المتجدد والمنوع. تشمل اهتمامات كارسون الشعر، المقالة، القصة، الفنون البصرية، والترجمة. في “وثيقة حمراء” تقدم كارسون خليطا من الشعر والدراما كعادتها، مع تناص مع نصوص قديمة للشاعر الإغريقي ستيسيكورس (632-556 BC). يتمحور الكتاب على شخصية G؛ الانطوائية التي تقرأ بروست ودانييل كارمز السوريالي في أغلب الأحيان، وشخصية أخرى تدعى “حزين لكن عظيم” ويدعى أيضا حزين؛ وهي شخصية خرجت للتو من الحرب وتعاني من نتائجها. شخصيات أخرى من وحي الميثولوجيا اليونانية تحوم في النص وترافق G وحزين في رحلتهما التي تقود إلى عيادة في أقصى شمال الأرض.

    في نص كارسون الغريب تتداخل أمور كثيرة؛ الآلهة والبشر، الجنس الذكري والأنثوي، الشعر والنثر تماما كنص اغريقي لكن مع اضافة الانزياح الزماني والمكاني وحبكة كارسون الذكية. يقول النقاد في كارسون أنها تكتب النص الغامض لغرض الغموض فقط لا لشيء آخر، لكنها تفعل ذلك بسلاسة وإقناع. تلعب كارسون باللغة، بشكل القصيدة على الورق، بالمجاز. أو كما يصفها أحد النقاد “مجازات كارسون مربكة، تلتوي، وتنزلق من الجمل”.

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail