تشارلز بوكوفسكي: لست عاهراً كما يخيل لكم

إليزا ليونيلي ترجمة: نداء الحلوجي

 

في عام 1981 حاورتُ تشارلز بوكوفسكي، والتقطت له صورةً في منزله بسان بيدرو، بمدينة لوس أنجلوس الساحلية.
لبوكوفسكي العديد من المؤلفات، ما بين الشعر والقصة القصيرة والرواية، اشتهر بروايته المتصدرة للمبيعات والمثيرة للجدل »نساء»‬، وكذلك بـ »‬ملاحظات عجوز أزعر» ، و»‬شكسبير لم يفعل هذا أبدًا»، و»‬حكايات الجنون العادي» والذي حوله المخرج الإيطالي ماركو فيريري إلي فيلم، مع أورنيلاموتي وبن غازارا، والذي عرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي في صيف نفس العام تحت عنوان »‬حكايات الجنون العادي».
لقد طلبت منا أن ندعوك »‬هانك»، أليس اسمك »‬تشارلز» ؟
هانك هو اختصار هنري، اسمي الأول. تشارلز هو اسمي الأوسط. لطالما صرخ أبي وأمي: »‬هنري، العشاء جاهز» وما إن أخرج لتناول العشاء حتي تطولني ضرباتهما، قبل أن آكل أو بعده، لقد كانا سيئين حقًا. لهذا عندما شرعت في الكتابة قررت أن أتخلص من اسم هنري، إنه فأل سيئ، واخترت تشارلز. حتي إن تشارلز بوكوفسكي له وقع أفضل، فباسم كهنري بوكوفسكي لم أكن لأنجح، ولبقيت أتضور جوعًا.
بوكوفسكي اسم بولندي، وأنت ولدت بألمانيا، ولكنك كاتب أمريكي. كيف حدث هذا؟
نعم، بوكوفسكي اسم بولندي. من المعروف أن بعض البولنديين أتوا إلي ألمانيا عام1780 تقريبًا. وبقدر ما استطعت تتبع تاريخ عائلتي، وجدتها كلها ألمانية، أبي ولد في باسادينا الواقعة في كاليفورنيا لأبوين ألمانيين، وكان جنديًا أمريكيًا في جيش الاحتلال في ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولي. وهناك قابل أمي وتزوجها، ومن ثَم أنجباني. في 1923 أتيت إلي الولايات المتحدة، كان عمري آنذاك ثلاثة أعوام، ومن وقتها بقيت هنا. لهذا أنا أمريكي، وأعيش هنا، ولكني ذو أصول ألمانية، ولقد شعرت بهذا عندما عدت إلي أوروبا . . أو لعله خيالي ما أوهمني بذلك.
لماذا تعيش هنا، في هذا المنزل، في سان بيدرو؟
إنه مكان هادئ، ولا أحد يزعجك هنا. لقد كان علي أن أشتري منزلًا لأحصل علي إعفاء ضريبي. بعد سنوات عديدة عشتها فقيرًا، وفرت لي حقوقي الأدبية في أوروبا المال، دفعة واحدة، وهنا في أمريكا، تكون بين خيارين، فإما أن تنفق مالك، وإما تسلبه منك الحكومة، وبالطبع لا أحد يحب الخيار الثاني، خاصةً بالنسبة لمن لا يمتلك المال مسبقًا. ولهذا فقد اشتريت منزلًا، وسيارة بي إم دبليو، وقمت بالسداد وحصلت علي الإعفاء الضريبي. كان عليّ تغيير أسلوبي، كنت معتادًا علي العيش في شقة من حجرة واحدة في شرق هوليوود. كل ما هو محيط بي الآن جديد علي، في البداية اعتقدت أن هذه الأشياء ستحطمني، فأنا غير معتاد علي المساحات الواسعة. لكني أخبرت نفسي أنه حتي لو حدث هذا، فلست كاتبًا جيدًا علي أي حال. وفي النهاية لم يحدث ما اعتقدت، وما زلت أكتب كل ليلة.
كيف أصبحت كاتبًا؟.
لقد بدأت الكتابة في سن الثالثة عشرة، كنت حينذاك في المشفي، مصابًا بحالة متفاقمة من مرض حب الشباب، حيث الدمامل الضخمة تظهر باستمرار ولا شيء يمكن فعله لعلاجها. أعتقد أن هذا جعلني أفكر أننا في هذه السن لا نفكر كثيرًا في آلام الواقع ووحشيته.
لقد تحصلت علي تعليم جيد في سن مبكر، لم أدخل الجامعة، وعملت بمئات الوظائف، تحديدًا الأسوأ منها. في سن الخامسة والثلاثين، كنت أشرب كثيرًا، واستمر الأمر سنوات عديدة، حتي أصابني نزيف، كنت علي وشك الموت، كانت الدماء تنبثق من فمي ومؤخرتي، حينها أخذوني لمشفي خيري، وانتظروني لأموت، لكني لم أمت، لقد خرجت من المشفي، وحصلت علي وظيفة كسائق شاحنة، وبدأت في كتابة القصائد. لم أكن قد كتبت مسبقًا، أو في الحقيقة لم أكن قد كتبت لعشر سنوات سابقة. كتبت كل تلك القصائد التي لم أعرف أين أرسلها، لهذا اخترت إحدي مجلات تكساس بشكل عشوائي، وأرسلت لها القصائد. فكرت: »‬سوف أُغضب امرأة عجوزا ما، وستعيدها إلي مرة أخري». لكن العكس ما حدث، وتلقيت خطابًا من تلك المرأة تدعوني بالعبقري وأتت لتزورني، وتعارفنا أكثر، ثم تزوجنا، ليتضح لي لاحقًا أنها مليونيرة، ولقد كان هذا الأمر سيئًا. بعد عامين وقّعت أوراق الطلاق، وقد كنت سعيدًا بهذا. لاحقًا، تقابلت مع امرأة أخري، فرانسيس، تصاحبنا، وبعدها أنجبنا طفلةً. هي الآن في السادسة عشرة. فتاةٌ عبقرية، تخرجت لتوها من الثانوية.
لديك سمعة أنك مطارد للنساء، وذكوري شوفيني، بسبب روايتك الأعلي مبيعًا »‬نساء»، ما تعليقك علي هذا؟
أنا لست عاهرًا كما يخيل لكم، أنا لا أتجول هنا وهناك مضاجعًا عشرات النساء، لكن حينما بدأت كتابة هذه الرواية، كان علي إجراء بعض الأبحاث، وتوصلت إلي أنه يجب علي أن أقابل المزيد من النساء، لذا فأنا تقريبًا فعلت هذا عمدًا. لقد طرقت الأبواب، وقفزت في الأسرة، وضاجعت النساء حينما لم تكن لدي الرغبة في ذلك. في الحقيقة، أنا لست عظيمًا في هذا الأمر، ولست مهتمًا به، إنه قذر نوعًا ما، بجانب كونه عملا شاق. أما من يدعونني ذكوريًا شوفينيًا، فلم يقرأوا كل أعمالي، بل سمعوا إشاعات، فلو أنهم قرأوها كلها، لعلموا أني أحب النساء كما أحب نفسي تقريبًا. من اللطيف تواجدهن حولك.
انتهي المخرج الإيطالي ماركو فيريري لتوه من فيلم مبني علي بعض قصصك القصيرة، يسمي »‬حكايات الجنون العادي»، كيف حدث هذا؟
لا أعرف حقًا، الأمر تم فجأة، لقد وقعنا عقدًا، ثم بعد ذلك كنت أحتسي الشراب مع فيريري وغازارا، ونتحدث معا كما لو كنا نعرف بعضنا منذ سنوات. أعتقد أن هذه هي طريقة سير الأمور، الأشخاص يتقابلون، ثم يقولون لنفعلها بحق الجحيم. إنه ليس بأمرٍ كبيرٍ، بل إنه رائع. أنا أؤمن بفريري، لأنه إنسانٌ حقًا، وودود. أنا لم أشاهد أي من أعماله بعد، أنا فقط أحببته عندما قابلته.
منذ وصلنا هنا، وأنت تشرب البيرة ونبيذ كاليفورنيا، وفي كتبك مثلما في حياتك، أنت تشرب طوال الوقت، فلماذا كل هذا القدر من الشرب؟
أوه، الشرب! اسمعيني، لقد كنت طوال حياتي عاملا فقيرا، لا وظيفة أو لا شيء لدي. أتعلمين، عندما لا يمتلك المرء منا أي نقود، لا يمكن لامرأة أن تزعجه، وسيمر بلحظات يحدق فيها بالجدران الأربعة من حوله ويفكر، كيف سيدفع الإيجار، أو من أين له بالمال ليحصل علي وجبته التالية. عندما تصبح الأمور بهذا القدر من السوء، فكأس من الشراب هو الشيء الوحيد الرخيص المتبقي لك لتحلم، كأنه سحر، يشعرك أن الأمور بخير، ولو لدقيقة. لكن الآن، ورغم أني لم أعد فقيرًا، إلا أن الأمور لم تتغير. السبب يعود لما أراه في الجنس البشري من شر.
تبدو متشائمًا جدًا. لو أن لا أمل من البشرية لهذه الدرجة، ما الذي ترجو أن تحققه كتاباتك؟
أنا لا أسعي خلف إنجازٍ، أنا كعنكبوت، أغزل شبكتي، وهذا كل ما أستطيع فعله.فنحن نفعل هذا مدفوعين بغريزتنا الطبيعية، نحن حتي لا نعرف لماذا نفعل هذا، ولو أننا عرفنا، لما استطعنا فعله. السعي مدمر، وأنا لا أؤمن بالتوجيه، ولا أؤمن بالدراسة، ولا أؤمن بالتعلم، أنا أؤمن أن ما يحدث يحدث، وأنا فقط أسايره. ولألخص الأمر كله في كلمتين »‬لا تحاول»، بالنسبة لي، الأمر ينجح.ورغم كل شيء، ما زلت أجد بهجةً كبيرةً، ولا أعرف لماذا، ولكني في أغلب الأوقات، أستيقظ صباحًا، وأشعر أني بخير حقًا. إنه فقط شعور داخلي.
هل هو صحيح أن شهرتك في أوروبا أكثر مما هي عليه في الولايات المتحدة؟
بالطبع، أكثر بستين مرة، لماذا؟ أميل للأعتقاد أن السبب يرجع أن الحضارة الأوربية أكثر تقدمًا بثلاث مائة سنة علي الأقل في الثقافة والمعرفة والموهبة والنبيذ والكياسة. هذه الأمور كلها بدأت عندهم، هم لديهم المذاق الجيد لكل شيء، لكن هنا في أمريكا، ما زلنا في طور البهرجة، والبلادة، نحن حتي لا نعرف أين نحن بحق الجحيم. في اعتقادي، الأرض هناك في أوروبا كانت مهيأة لاستقبال البذور، لكن هنا، فالبذور قد نثرت في أرض عقيم.
أي كتاب من كتبك تفضل؟
لا أعرف، عادةً ما أفضل آخر كتبي، ماذا كان؟ لا أستطيع ان أتذكر، أنا الآن منشغل بالكامل في كتابي الجديد، يسمي »‬هام أون راي» إنه يبدأ بأولي ذكرياتي عن الحرب العالمية الثانية. كل كتبي هي سير ذاتية، أضع فيها القليل من الخيال، ليرتقي بها، ويجعلها أكثر إثارة من الحياة بقليل.أسلوبي بسيط للغاية، ومباشر كذلك، تمامًا مثل صورك الفوتوغرافية، إنها تسجل ما يحدث، دون أية أحاديث، إنها تقول ما تقوله، وبها كل شيء. قصائدي عاطفية أكثر، فأنا أترك نفسي فيها قليلًا، علي عكس النثر، الذي أكون فيه مباشرًا.

 

عن أخبار الأدب
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail