عندما يفكر الأدب / آلان باديو

ليس من الصعب أن نتكلم عما يعرفه ويفهمه الأدب: الموضوع الإنساني العام. يعرف الأدب خيبة الإنسان وضعفه، وعلى أساس تلك المعرفة يقوم بتبديل وتحويل حتمية التنازل. يكون ذلك التنازل، كما في حالة رواية “سنوات التدريب” لفيلهلم مايستر تنازلا مضمونه أن العالم لا يلتزم ب”الفكرة”. أو كما في حالة روايات المذهب الطبيعي في أعمال إميل زولا: التنازل هو نتيجة لمواجهة مع أحوال إجتماعية مذلة.

 

في حالتها الأدنى، تلك المعرفة هي كبح مثير للكآبة للحقيقي، بالمقارنة مع التوكيدات الجامحة للعلوم النظرية، والفلسفة تحديدا. الأدب يعلم جيدا بواطن وظواهر الخداع، نكران الجميل، الأنانية، والغباء. يقوم الأدب بفعل “نقدي”، وفي العادة يتم مدح الأدب لكونه يقدم رؤيا فيها شيء من العدوانية والتجهم. يتم مديح الأدب أيضا بسبب وضوحه، كما يقول لوي فيردناند سيلين، يلهمنا الأدب أن نخلق من بؤسنا “موسيقى صغيرة”.

 

حتى مارسيل بروست، الذي يعد من أعظم الكتاب، يقوم بصرف وقت هائل، وتأليف كتب بأحجام كبيرة لاكتشاف الشبكة المعقدة والطويلة للانحطاط، والغرور، والقسوة، والكراهية، والسخف، والعجرفة، وغير ذلك من المشاعر الداخلية القاتمة. يفعل ذلك كله إلى أن يكتشف، بما يشبه البعث، الشيء الوحيد ذا الأهمية، والذي يؤسس لمرحلة إنتقال الأدب من المعرفة إلى الفكر: المكاسب التي بإمكان الإنسان تحقيقها. تلك اللحظة التي يصفها هنري جيمس ب “الساعة فوق الحسية” في رواية “السفراء”، والتي يصفها صمويل بيكيت ب “الأوقات المقدسة للأزرق” في مسرحيته “كيف ذلك”، وفي الموت الفاتن للأمير أندريه في “الحرب والسلام”، في وصية جولي في “جولي” لجان جاك روسو، في موكب الفلاحين أمام الجنود الجرحى في “أمل الإنسان” لمالرو …. أو في رواية كونراد التي عنوانها، ببساطة، “نصر”.

 

الرأي القائل أن الأدب يفكر، وأن بامكان الأدباء أن يكونوا مفكرين، كما تقول ناتاشا ميشيل في مقالة عن النثر الحديث، يعني أن باستطاعة الأدب أن يشرع أبواب المعرفة على شؤون ورؤى نفسية خاصة ودقيقة، وفوارق إجتماعية، وحالات ثقافية. ذلك يعني، بالضرورة، أنه عندما يقوم عمل روائي بانتصار ما في عقولنا، فإن الأثر الأدبي يتموضع في مستوى الفكر.

 

ماذا بإمكان كلمة “فكر” أن تعني في هذا السياق؟ أولا، أن هناك مواجهة مع الحقيقي، الذي يتجاوز العالم التخيلي، وفي ذلك نصر كبير، وفي ظروف لغوية إفتراضية خطرة. بعيدا عن العالم المتخيل، الأدب الذي يفكر يخرج من شقوق القصة/الحكاية. ليست غاية الأدب الذي يفكر أن يفسد القصة عن طريق نقضها أو تفكيكها. الأدب، هنا، يقوم بقبول القصة ويستقر في أمكنتها التي تتركها خلفها.

 

عن زمن الشعراء – النسخة الإنجليزية 2014

– ترجمة: أشرف الزغل

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail