“الحالة الحرجة للمدعو ك” – فخّ “اليوميات” بين الحيلة الشكلية والغاية البنيوية

– محمود حسني
في روايته الأولى “الحالة الحرجة للمدعو ك.” (دار التنوير، 2017) يستخدم الكاتب السعودي عزيز محمد صيغة اليوميات من أجل سرد قصة شاب يعاني من اللوكيميا (سرطان الدم)، وصراعه مع السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه من أسرة وعمل في إحدى البلدان، والتي لا يذكرها علانية، لكن تظهر من ملامحها أنها بلد خليجي.
من البداية يظهر السرد متدفقًا في العمل الذي وصل إلى القائمة القصيرة بجائزة “البوكر العربية”، لهذا العام 2018. فعلى مستوى اللغة، كمفردات وجمل، يظهر انحيازا للوضوح والبساطة في التركيب، لكنه في الوقت نفسه يتفادى الركاكة، والبطء أيضا.
الثيمة الرئيسة للعمل والتي تدور حول صراع الشاب مع مرضه وعائلته وعمله تظهر قوية، وملفتة وغير نمطية في سياق الرواية القادمة جغرافيا من الخليج، وإن بدت هذه الزاوية اختزالية.
ساعد غوص عزيز في الحالة المرضية على إبرازها بوضوح. شخصية “ك.” أيضا مرسومة بشكل ملفت في إلمام النص بالتفاصيل الخاصة بها من الطفولة وحتى الوصول للمرض ومن ثم التعامل معه ومع من حوله. لكن ثمة إشكالية في البناء الزمني الكرونولوجي المتتابع للعمل. والذي بدا مؤثرًا سلبيا على البناء شبه الثابت، وإيقاعه، وتنوعه سرديًا.
عانى العمل أيضا من بعض الفقر في رسم الشخصيات المحيطة بـ “ك.” خاصة التي تؤثر فيه. أي أننا نرى صورتهم مرسومة من على السطح من خلال أفعالهم وتواصلهم معه أو من خلال طريقة نظرتهم له، وهو ما جعل الشخصيات ضعيفة في جوانب عدة من ناحية تقنية، وقاد النص إلى مشكلة أخرى خاصة بالمط والإطالة.
ثمة مط وإطالة في رصد كل تفاصيل المرض، وفي تمحور العمل حول “ك.” شعرت أننا هنا أمام خيارات للكاتب لها علاقة بأنه سيكتب عملا أقرب ليوميات وبالتالي كان هذا يحتاج إلى الكثير من التكثيف لأنها في النهاية ليست يوميات بل رواية، وفكرة اليوميات هنا حيلة فنية وليست غاية بنيوية!
الكثير من التكثيف والإيجاز والحذف كان ضروريا. ونص الرواية كان بحاجة إلى تحرير أكبر لتكون أكثر “رشاقة” على مستوى الكم، ولو أنها كما مشار إليه سابقا، متدفقة على مستوى الصياغات. أي أن العمل كان يمكن الاختصار منه كمّيا، لأن المرء يشعر ،من منتصف النص، أنه يعرف أن ليس هناك ما هو مفاجئ في قادم الصفحات، لم يعد العمل يعد بشيء بعد عبور منتصفه، حتى فكرة الجد والوصية لم تكن “الطُعم” الكافي بعد قطع هذه الصفحات.
بدا العمل أقرب لهجاء للمجتمع. سواء البيت أو العمل. الأسرة أو الزملاء. يظهر فيه الاغتراب الكامل من خلال أنواع القراءات التي جميعها مترجم وأجنبي، والتي لها أثر واضح أيضا على الصوت الأدبي للكاتب. فيمكن أن تشعر بلحظات أنك أمام عمل مترجم إلى العربية حين تتكرر صياغات بعينها، أو مفردات أو قاموس يظهر بشكل أكبر في الأدب المترجم إلى العربية بالمقارنة مع المكتوب بها.
لكنك في الوقت نفسه يمكن أن تشعر أن النص يفتقد شيئا ما مرتبطا بكون الشخصية هنا رغم أنها تقول أن اختيارها لطريق مختلف عن هذا المجتمع لا يوصلها بالضرورة لشيء، لنجاح ما، إلا أنها ليست متصالحة تماما مع نفسها. فهي حين تقرر الصمت أو الرفض تفعل ذلك لأنه الرد الفعل الأقوى في تأثيره على الآخرين، وليس لنفسها. كان “ك.” يتحرك ناحية الآخرين برفضه أكثر من تحركه باتجاه نفسه، وهو ما يجعل التساؤل حول مفهوم الاغتراب، ضروريًا هنا، لدى الشخصية، ومن وراءها الكاتب.
العمل في لغة سرده، وفي عمق رسم شخصيته الأساسية يقول أن ثمة شيء يمتلكه الكاتب فيما يخص كتابة الرواية كنوع أدبي. لكن هذا الشيء ظهر في العمل مثل منحوتة بها زيادات عدة، ولا تزال في طور تكوينها الأول، أي أنها تحتاج إلى المزيد من التشذيب في نموذجها الذي أمامنا “الحالة الحرجة للمدعو ك.”، وكما يقال “الحذف أيضا كتابة”.
ويظل هذا “الشيء” الذي تشعر بأن الكاتب يمتلكه يجعل المرء ينتظر عمله القادم، وأن يكون من أوائل الذين سوف يقتنوه.
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail