ماذا في الإسم ؟

في المعنى الاشتقاقي لكلمة “لغو”, ذكر في لسان العرب أن اللَّغْو هو السَّقَط وما لا يُعتدّ به من كلام وغيره ولا يُحصَل منه على فائدة  (1)

يقال منه لغَا يلْغُو لَغْواً وذلك في لَغْو الأيمان.
واللَّغا هو اللَّغو بعينهِ. في القرآن: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ [البقرة 225، المائدة 89]، أي ما لَمْ تَعقِدوه بقلوبكم.
وقوم يقولون: هو قولُ الرّجُل لسوادٍ مُقْبِلاً: والله إنَّ هذا فلانٌ، يظنُّه إياه، ثم لا يكون كما ظنّ. قالوا: فيمينه لغوٌ، لأنَّه لم يتعمَّد الكذِب.والثاني قولهم: لَغِيَ بالأمر، إذا لَهِجَ به. ويقال إنَّ اشتقاق اللُّغة منه، أي يَلْهَجُ صاحبُها بها.

وقال الشاعر:

وإِني، إِذا اسْتَلْغانيَ القَوْمُ في السُّرَى، بَرِمْتُ فأَلفَوْني بسِرِّك أَعْجَما

اسْتَلْغَوْني: أَرادوني على اللَّغْو.

قال ابن الأَعرابي : واللُّغَةُ أُخِذَت من هذا لأَن هؤلاء تكلموا بكلام مالُوا فيه عن لُغةِ هؤلاء الآخرين. واللَّغْو النُّطق. يقال: هذه لُغَتهم التي يَلْغُون بها أَي يَنْطِقُون. ولَغْوى الطيرِ: أَصواتُها. والطيرُ تَلْغَى بأَصْواتِها أَي تَنْغَم.

وفي القاموس المحيط أن اللُّغَةُ هي أصْواتٌ يُعَبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغْراضِهِم.  والجمع لُغاتٌ ولُغُونَ (2).

مِن المعاصرين من ذهب إلى القول أنَّ أصل كلمة (لغة) يوناني غير عربي ، وهو كلمة (لوغوس)، التي تعني باليونانية الكلمة أو الكلام (3). اللوغوس عند هيراقليطس ، وهو أول من قال به ، القانون الكلي للكون ، يقول هيراقليطس: ” كل القوانين الإنسانية تتغذى من قانون إلهي واحد “، لأن هذا يسود كل من يريد، ويكفي للكل ويسيطر على الكل ”. وبهذا القول عرفه الرواقيون، فاعتبروا بأن العقل أو اللوغوس هو المبدأ الفعال في العالم، وهو الذي يشع فيه الحياة، وينظم ويرشد العنصر  السلبي في العالم وهو المادة (4)

قال فيلون السكندري عن اللوغوس أنه أول القوى الصادرة عن الله ، وأنه محل الصور ، والنموذج الأول لكل الأشياء . وهو القوة الباطنة التي تحيي الأشياء وتربط بينها . وهو يتدخل في تكوين العالم ، لكنه ليس خالقا . وهو الوسيط بين الله والناس (5). أحتل مفهوم اللوغوس مساحة مميزة في اللاهوت المسيحي، ففي إنجيل يوحنا ، اللوغوس (الكلمة) هو الشخص الذي يستعلن الوجود الإلهي ؛ فالله موجود لأنه شخص اللوغوس المنطوق ذاتيا،هو كل ملء الآب . واللوغوس هو الخالق الذي بحضوره في الخليقة صارت الخليقة موجودة.

في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله (6)

اللوغوس صار جسدا وحل بيننا ( فينا ) ، ورأينا مجده ، مجدا كما لوحيد من الآب ، مملوءا نعمة وحقا … ومن ملئه نحن جميعا أخذنا ، ونعمة فوق نعمة ،… (7)

استخدم المتصوفة – ابن عربي على وجه الخصوص – مفهوم اللوغوس للربط بين الخالق والمخلوق. يقول ابن عربي في “فصوص الحكم” إن العالم ليس إلا ظهور صور الأعيان، وذلك الظهور هو النفس الرحماني (8) فيبدو العالم، عالم الصور والموجودات، ليس سوى ظل لهذا الفيض الإلهي

من خلال محاولته ابتكار فهم جديد للغة من خلال دراسة سلطة الميتافيزيقا على اللغة والفكر، ناقش دريدا مفهوم اللوغوس من خلال دعوته للانتقال من التمركز حول اللوغوس  إلى التمركز حول الكتابة، أو بمعنى آخر الانتقال من التمركز حول الميتافيزيقا الى التمركز حول الجسد (9) ، حيث وجد أننا رغم زعمنا أننا – عبر الحضارة الإنسانية – صغنا أفكاراً جديدة فإننا لم نفعل في حقيقة الأمر سوى اعادة صياغة الأفكار القديمة بقوالب لا تزال تحمل بذور الميتافيزيقا.

الطريف في الانتقال من لسان العرب الى لسان دريدا أن ما لا يعتد من كلام عند ابن منظور قد يحمل محمل الضرورة على ضلاله عند دريدا under erasure

هي لعبة المجاز كما قال المعري :

لا تقيِّد عليَّ لفظي فإني مثل غيري تكلُّمي بالمجاز

والمجاز اختلاف أو تشابه

خلاصة أمر هذا اللغو، أن الأفكار النبيلة قد تستعصي على القولبة لكنها لا تستعصي على القلب وأن مرجحة المعنى بين ما يعول عليه وبين ما لا يعول عليه تأخذنا الى علامة واحدة هي الاختلاف.

الاختلاف الذي يعتد به وقد تدافع عنه كما تدافع عن أسوار مدينتك

 

أشرف الزغل

المراجع :

1.        ابن منظور، لسان العرب، المجلد الأول (بيروت، دار صادر للطباعة والنشر، 2000).

2.         الفيروز آبادي, مجد الدين محمد بن يعقوب: القاموس المحيط, بيروت, دار نوبِليس ( 2006)

3.        حسن ظاظا , اللسان والإنسان مدخل إلى معرفة اللغة مكتبة الدراسات اللغوية 1990

4.        عبد الرحمن بدوي موسوعة الفلسفة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط 1 1984، الجزء الثاني

5.        طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة. المركز الثقافي العربي. 1996

6.        انجيل يوحنا 1 : 1

7.        انجيل يوحنا 1 : 14 – 16

8.        محي الدين بن عربي . فصوص الحكم. الناشر: دار الكتاب العربي .

9.        جاك ديريدا، الكتابة والاختلاف ترجمة كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى 1988

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail