وهذا القماشُ، ماذا دَهاه؟ / محمد الهجابي

 تضعُ القُماشَ فوق الحاملِ،

 وتضعُ حجرةَ دماغها في قيعانِ بحرها الميّاس.

 ترغبُ في أن تمسدَ بأصابع يدها بياضَ الوجه؛ وجهَ القماش.

في الداخل، في الدخيلة، ترى ما لا تراه عينُ الأنابيب،

ما لا يلدغُه غلافُ الحمرة،

أو يلعقُه لسانُ الفرشاة.

ترى بعين الأصابع، إذ تبحث عن الارتعاش.

في الخارج، خارجها، تلتقط أشياءها كيفما اتفق،

ثمّ ترتدّ إلى قيعان مائها في الحوض الغطيس.. الغطيس،

كأنّما أخفقت في اجتراح أشرعة مركب قراصنتها، وحمل رايته السوداء.

سوداءٌ فقط، وترصدُ الرياح.

سوداءٌ فقط، ومن غير جمجمة يعمدُها سيْفان متقاطعان،

أو صمادة فوق جبينٍ من عاج.

سوداءٌ لا تشي بدهاء.

ترغبُ في أن تسلكَ زقبَ متاهات،

من غير أن تخلفَ قطعةً عالقةً من أظفار كسوتها،

ومن غير أن تفيضَ بأصباغها كما نهر تمنّع عنِ الضّفتين،

ومن غير أن تبقى حبيسةَ مدار بؤرتها،

ومن غير مزيدِ إشارات.

ترغبُ في أن تمسدَ بأصابع يدها وجهَ القُماش،

كما لم تمسده من قبلُ،

كما يحضنُ صدرُها المعترشُ أعذاقَ نبيذٍ،

أو دوخات نشا،

أو شذورَ ذهبٍ،

أو شرفاتٍ حانيات.

تَقبلُ،

ثمّ تدبرُ.

تقتربُ،

ثمّ تبتعدُ.

تجنحُ ذات اليمين،

وذات الشمال.

تتعقّفُ،

وتستقيمُ.

تتقفّعُ،

وتستطيل.

لا يكفيها ما أتت من حنين.

ها جسدُها يسفحُ حبيبات البلور،

تسري منَ القذال إلى الحقو،

ومنَ الترقوة إلى محرابِ البطن.

يندفعُ الخيط الرفيع إلى الفالق بين جناحيْ مملكتها شاخباً، ومتلهفاً،

ينهشُ الحيودَ والتقويسات،

الأغوارَ والقبابَ والتكورات.

وهذا القُماش، ماذا دهاه؟

كيف تنالُ من جسده المحنّط حركات؟

كيف تنطقُه؟

تحاورُه،

وتهاوشُه،

وتستنفجهُ،

وتروّضُه،

وكيف يستطيبُ،  ويستجيبُ للسؤال؟

محالٌ، محال.

يعوزُه تهافتُ الأصابع الراعفة،

بواباتُ الحدائق،

شهقةُ الدهاليز المعتقة بالوجع،

نشيدُ الفلوات،

عويلُ الدياجير،

رعونةُ الخارق.

تعوزُه الخطوةُ المترددة، الراغبة،

الأثرُ اللافح،

يتمٌ،

وحشةُ غربة الناي في ليل فارغ وأدرد،

هيكلُ روح،

ماءُ المعمودية.

يعوزُه ما لا يعوزُ الوسائط والسّوى،

ما يتأبّى عزيفَ المراوح،

صهيلَ الحلبات،

ووقرَ الكُوى،

وما كانَ،

وما هو آت.

وهذا القماشُ، بعدَ الحاصل، ماذا دهاه؟

 

 محمد الهجابي : كاتب من المغرب
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail