اللغة سلطة تشريعية، اللسان قانونها. أننا لا نلحظ السلطة التي ينطوي عليها اللسان، لأننا ننسى أن كل لسان تصنيف، وإن كل تصنيف ينطوي على نوع من القهر : ordo تعني في ذات الوقت التوزيع والارغام. هذا ما أوضحه ياكوبسون Jakobson. ان كل لهجة تتعين، أكثر ما تتعين، لا بما تخول قوله بل بما ترغم على قوله. وفي اللغة الفرنسية (وأنا أسوق هنا أمثلة لا تخلو من الفظاظة)، أنا مرغم على ان اضع نفسي كفاعل قبل ان أعبر عن الفعل الذي لن يكون الا صفة تحمل علي وليس ما أقوم به الا نتيجة تتمخض عما أنا عليه، وعلى نحو مماثل، أنا مرغم على الاختيار بين صيغة التذكير والتأنيث، وليس بإمكاني على الإطلاق ان أحيد عنهما معا أو أجمع بينهما، ثم انني مرغم على تحديد علاقتي بالآخر، أما بصيغة ضمير المخاطب بصيغة المفرد أنت أو بصيغة الجمع أنتم، وليس بإمكاني ان أترك المجال لمبادرة العاطفة والمجتمع. وهكذا فإن اللغة، بطبيعة بنيتها، تنطوي على علاقة استلاب قاهرة. ليس النطق أو الخطاب بالأحرى تبليغا كما يقال عادة : أنه اخضاع : فاللغة توجيه واخضاع معممان.
عندما يفكر الأدب / آلان باديو
مدارات ادونيس – الحقيقة طريق، سؤال متواصل
الكاتب والمحَرَّم – مع ناصر الظفيري