صورة سيئة السمعة

كتابة / مايكل ديردا الناقد الأدبي لصحيفة الواشنطن بوست

ترجمة / أحمد فاضل

 

أكثر من 100 عام مضت على ولادته ، المحبون لجيمس جويس توافدوا يوم السبت 16 حزيران على شوارع دبلن للإحتفال بواحد من أشهر أبناء هذه المدينة العريقة ، مستذكرين حياته وأعماله وأنه أحد قادة تيار الوعي في الأدب الحديث الذي وضع واحدا من أعظم الأعمال الروائية في القرن العشرين هي رواية يوليسيس التي اعتمد البنية الهوميرية للأوديسة ليبني ملحمة معاصرة لها حيث تدور أحداثها خلال يوم واحد في حياة بطلها متتبعا في نفس الوقت المئات من سكان دبلن وهم يسيرون في الشوارع ، يلتقون ببعضهم ، يتعارفون ويتحدثون في المطاعم والحانات ، تحركات ونشاطات تبدو عشوائية ، سجل يومي لأحداث المدينة ، لكنه يكشف لنا عن العمق المتخفي وراء تلك الأشياء التي تبدو لنا عفوية غير مرتبة .

الحياة الأدبية والعملية لجيمس جويس جذبت اهتمام العديد من الكتاب والنقاد ولهذا السبب فقد عكف الكثيرون منهم على كتابة سيرته الذاتية بدءا من ذكرياته المتبقية من مدرسته التي وضعها صديقه قسطنطين كوران ، أو سيرته التي وضعها شقيقه الأصغر ستانيسلاوس عن حياته المبكرة ، أو السيرة المهمة التي وضعها هربرت إيلمان عام 1959 ، هذه السير كانت تتعامل منذ ذلك الحين مع ما تركه جويس من مقابلات صحفية معه ، لكن الحقيقة أن أعماله أثرت وبشكل أكثر وضوحا على كل تلك السير لأنها وببساطة تعكس الكثير مما حفلت بها حياته كما في يوليسيس أو في مجموعته القصصية القصيرة أهالي دبلن الصادرة عام 1914 ، أو في صورة الفنان في شبابه عام 1916 .

استغرق بوكر طويلا وهو يقدم صورة واضحة للعلاقة بين جيمس ووالده الذي أدمن على الخمرة تاركا العائلة تستعطف أصدقائها والجمعيات الخيرية ، ملخصا بدقة تلك الفترة الحرجة من حياته وهو يحاول جاهدا إنقاذ عائلته الكبيرة من ازمتها ، ومع أنه كان حازما في تعامله مع اخوانه وحتى أصدقائه ، لكنه كان يخاف من الكلاب والعواصف الرعدية التي كثيرا ما أشعرته بليل موحش ذلك الذي كان يقضيه ساهرا متفكرا ما انعكس سلبا على حياته التي حاول تجاوزها حتى وهو يخطو خطواته باتجاه دراسته الأديان لكي يضمن له مكانة خاصة لدى الجميع ، إلا ان ذلك لم يستمر وخالطت رواياته الكثير من الكلمات البذيئة التي كانت تنم عن مقدار قرفه وامتعاضه مما كان يعيشه داخل مجتمعه .

كان شعوره بأنه الإبن الأكبر للعائلة يجعله يعيش حياة الكبار وكثيرا ما تبنى مواقف سخيفة كما يقول بوكر كالتفوق على من حوله رافضا في الوقت نفسه الناس العاديين مثلا ، هذا الشعور وكما يعترف جويس شكل لديه اندفاعا قويا انعكس على أعماله فكانت مخطوطته الأولى قد أهداها الى روح بلاده المثقلة بالتناقضات وهو أول عمل حقيقي في حياته كما كان يقول .

حاول بعد أن أصبح المسؤول عن العائلة أن يستغل جميع من حوله لصالح انتظام سير حياة الأسرة وعدم تشرذمها فكان يطلب من شقيقه ستانيسلاوس المساعدة في دفع إيجار منزل العائلة ودفع بواحدة من شقيقاته للعمل خادمة في أحد المنازل ، ومع أنه كان يعيش مع نورا أم طفليه ، لكنه كان يرفض أن يتزوجها رسميا بسبب الاضطراب الكبير الذي كانت تعيشه عائلته ، أما عن أصدقائه فيقول انه ضد كثير منهم لأنهم خانوه بطريقة ما وقد صور ذلك في الكثير من أعماله .

تميزت سيرة جيمس جويس بطرحها الجريئ لكل ما يتعلق بحياته الخاصة مرورا بمرحلة شبابه التي اتسمت بالسمعة السيئة زادت عقب ارتباطه بعلاقة غير شرعية مع نورا التي أنجبت منه ما جعل جيرانه يتهامسون عن سر تلك العلاقة ، فكثيرا ما كانوا يشاهدونه متشاجرا معها بسبب حالات السكر المتكررة وتردده على بيوت الدعارة كما كان يصرح لها ذلك بنفسه ، فقد كان صريحا بتناوله الحديث عن ملابسهن الداخلية وجماعه معهن وخضوعهن له وهيمنته عليهن ، هذا الهاجس الشهواني المرتبط بالزنا وصل الى حد التلميح بحبه جسد نورا واضعا ذلك كله في شخصية بلوم في يوليسيس ، بوكر ركز عند نقطة واحدة تلخصت بهواجس جويس الشخصية بخوفه من الخيانة ، فهذا الزواج كان مهددا باعتقاده بعدم الوفاء له ، وخوفه من تعثر طموحه ، والدين ، وقسوة الحياة وبؤسها ، كلها كانت تهدر بطريقة ما على تفكيره ، لكنه وعلى الرغم من ذلك فقد حوّل هذه المواد الى خيال كوميدي رائع تحرك عميقا ليخلق من يوليسيس رواية رائعة وخالدة الى اليوم .

السيرة في نهاية المطاف تعرج على نهاية جويس الذي تحمل فقدان البصر والاكتئاب ومرارة الحرب العالمية ، وأمراضه الجسدية وتعاسة أسرته ، واضطراباته العقلية حتى وفاته على يد ابنته الحبيبة الى قلبه لوسيا عام 1941، وبذلك أسدل الستار عن أديب دبلن الكبير الأكثر شهرة في العالم ، مات في المنفى بشكل غير متوقع نتيجة لقرحة مزمنة في زيوريخ بسويسرا حيث فر وعائلته من باريس بعد أن غزا النازيون فرنسا .

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail