أجنحة / حلمي سالم

أجنحة

هذا هو الفَصُّ
الذي‮ ‬يحملُ‮ ‬تكاثرَ‮ ‬الخَلاَيا
ويوزِّعها علي المُعْوَزين
قلتُ‮ ‬للخلايا‮:‬
ألهاكم التكاثرُ
أطلّتْ‮ ‬من الغبشةِ‮ ‬وجوهُ‮ ‬آبائي‮:‬
عبدالمطلب،‮ ‬معهم،‮ ‬موافي،‮ ‬الشايب
عنتر،‮ ‬سليمان،‮ ‬اليماني،
يفردون أجنحةً‮ ‬ملوّنةً
لكي أطيرَ‮ ‬بها إلي ماسبيرو،
حيثُ‮ ‬دبابةُ‮ ‬مرّتْ
علي بطنِ‮ ‬الفتي،
وقتَ‮ ‬أن لمَعَ‮ ‬الصليبُ
فوق الصّدر

نور علي نور

الشهيقُ‮ ‬رسالةُ‮ ‬الأنبياء
والزفيرُ‮ ‬معجزةُ‮ ‬الربّ
قالت بنتُه الصغيرةُ‮:‬
لا تكن سيّيءَ‮ ‬الظَنّ‮ ‬بالحيَاة
وقالت بنتُه الكبيرةُ‮:‬
رحمةُ‮ ‬الله واسعةُ
وعندما أتي الصوتُ‮ ‬من أعالي البحار‮:‬
لكَ‮ ‬السلام،
تهادي علي حوائطِ‮ ‬العنبر
سرابُ‮ ‬التريكو،
ورنّتْ‮ ‬بسمعي صوتياتٌ‮ ‬قديمةٌ‮ ‬تقول‮:‬
‮»‬أخي طلعت حرب،‮ ‬إزيّك؟‮«‬
وقفز إلي هواء‮ ‬غرفة الأشعّات
عَزْفُ‮ ‬عازفينْ‮ ‬في حُلكَةٍ،
لأن جسميهما سراجٌ‮ ‬علي سراجٌ
قالت الصغيرةُ‮:‬
لا تكن سيّيءَ‮ ‬الظَنّ‮ ‬بالحيَاة،
فكل امرئٍ‮ ‬له ليلةٌ‮ ‬غبراءُ
وقالت الكبيرةُ‮:‬
رحمةُ‮ ‬الله واسعةٌ،
وعقابُ‮ ‬الله ضيِّقٌ
ساعتَها،‮ ‬كان النزلاءُ‮ ‬ينظرون إلي الكورنيش،
حيث صفُّ‮ ‬شهداءَ‮ ‬يمروّنَ
ملفوفينَ‮ ‬في قماشٍ‮ ‬أحمرَ،
ثم في قماشٍ‮ ‬أبيضَ،
ثم في قماشٍ‮ ‬أسودَ،
خلفهم شجرٌ‮ ‬يمشي إلي أعلي،
وأمامهم دعواتُ‮ ‬ريِّسةِ‮ ‬الديوان
قلتُ‮: ‬يا عين‮ ‬يا ليلُ
سيجيء ويلٌ‮ ‬وراءه ويلُ
فردّتْ‮ ‬البنتان‮:‬
يا ليلُ‮ ‬يا عينُ
المحبّاتُ‮ ‬دِينٌ
ودَيْنُ

الجسر

سري المخدّرُ‮ ‬الكليُّ‮ ‬فصرتُ‮ ‬في محيط مجلس‮ ‬الوزراء،‮ ‬قالوا‮: ‬ماذا تَري؟ قلتُ‮: ‬أري جنوداً‮ ‬هوّامينَ‮ ‬علي ذؤاباتِ‮ ‬غاباتٍ،‮ ‬لهم زعانفُ‮ ‬وحشيةٌ‮ ‬تضربُ‮ ‬العابرينَ‮ ‬علي أكبادهم وهي عليلةٌ‮.. ‬سَرَي مشرطٌ‮ ‬في الضلوع فصرتُ‮ ‬قدّام البرلمان،‮ ‬قالوا‮: ‬ماذا تري؟ قلتُ‮: ‬أري القدمَ‮ ‬الحديديّةَ‮ ‬دوّاسةً‮ ‬علي حديقةِ‮ ‬النباتات‮.. ‬ثمَّ‮ ‬قَصُّ‮ ‬الفَصِّ‮ ‬الذي عليه العينُ‮.‬
فصرتُ‮ ‬فوق الجسر،‮ ‬قالوا‮: ‬ماذا تري؟ قلتُ‮: ‬أري شيخاتِ‮ ‬زار‮ ‬يدْققن الأرضَ‮ ‬بأجسادٍ‮ ‬عصابيّةٍ،‮ ‬وهُنّ‮ ‬يُنْزلنَ‮ ‬من أفواههّنَ‮ ‬رغوةً‮ ‬كرغوةِ‮ ‬البهائمِ،‮ ‬وأري صِبْيَةً‮ ‬مبقورينَ‮ ‬بسِنْجةٍ،‮ ‬بينما الذقون تجهّز حلقةَ‮ ‬الذّكر،‮ ‬حتي‮ ‬يخرجَ‮ ‬الميتُ‮ ‬من الحيّ،‮ ‬ويخرجَ‮ ‬الحيّ‮ ‬من الميّت،‮ ‬فيما الأسيادُ‮ ‬يستلون الزيتَ‮ ‬والبطاطس من زكاة بيت المال ليشتروا بها أنفَ‮ ‬كليوباترا‮.‬
من وراء حجابٍ،‮ ‬تقول‮:‬
يابنَ‮ ‬بطني
ستأتيك نقطةٌ‮ ‬فاصلةٌ
وأنتَ‮ ‬في منزلةٍ‮ ‬بينَ‮ ‬المنزلتْين،
تري فيها النفريَّ‮ ‬سليماً
إذْ‮ ‬هوَ‮ ‬صاحبُ‮ ‬البحر والمخاطرة والنجاة،
وإذ هو قاهرُ‮ ‬البلاءِ‮ ‬بالحرف،
وإذ هو أميرُ‮ ‬الجيوش

توكة

كنتُ‮ ‬أسمعُ‮ ‬صوتَها
بينما لحظةُ‮ ‬التشريحِ‮ ‬شَغّالةٌ‮:‬
ينبغي أن نعودَ‮ ‬إلي ابتسامةِ‮ ‬الموناليزا
وكنتُ‮ ‬أُراقبُ‮ ‬ارتعاشةَ‮ ‬الشَفَتيْن،
وهيَ‮ ‬تفُكُّ‮ ‬توكةًعن شَعرها الطويل،
قبل الزيارة
لعل فكَّ‮ ‬توكةٍ‮ ‬يقدِّم عوناً
لغرفةِ‮ ‬العملياتِ‮.‬
هنا شروطُ‮ ‬المجلسِ‮ ‬العسكريّ‮:‬
الشَّعُر المحلولُ،
الكحلُ‮ ‬الأسودُ،
چيبةُ‮ ‬الأنثي لا بنطلونُ‮ ‬الغلمانِ
البنجُ‮ ‬خفيفٌ‮ ‬عليَّ
أنَا أرَيَ‮ ‬عينيها فوق حاجبيَّ
وأري الشعراءَ‮ ‬يزعقون‮:‬
يا عبدالغنيّ
لماذا ذوّقتَ‮ ‬طفلَكَ
حلاوةَ‮ ‬المقامرة؟
البنجُ‮ ‬خفيفٌ‮ ‬عليَّ
أنا أشمُّ‮ ‬القنابلَ‮ ‬المسيلةَ‮ ‬للدموع،
في جناحِ‮ ‬جراحةِ‮ ‬الصّدر
هكذا‮ ‬يا شقيقةَ‮ ‬الشهَّر‮:‬
قطعنا عِرقاً
وسيّحنا دَمَه

رسمُ‮ ‬قلب

تهادي صوتُ‮ ‬التي شالتْه
وهناً‮ ‬علي وهنٍ‮:‬
الشهيقُ‮ ‬رسالةُ‮ ‬الأنبياء
والزفيرُ‮ ‬معجزةُ‮ ‬الرّب
فتراءَيَ‮ ‬له بغبشةٍ‮:‬
كان اللواءاتُ‮ ‬يمشونَ‮ ‬عليَ‮ ‬حائطٍ،
كحواةٍ‮ ‬مقدّسينَ،
يُخرجون من جيبِ‮ ‬الساعةِ‮ ‬الأرانبَ،
وينفضون عن الحزام الملائكة،
وعلي المنصّة المطربُ‮ ‬العاطفيُّ‮ ‬ينشدُ‮:‬
يالرقة الجيش
كأن المغني الغريبَ‮ ‬مازالَ‮ ‬يرثي حضارةً‮:‬
‮»‬دارْ‮ ‬يا دارْ‮ ‬يا دارْ‮«‬،
فتراءي له بغبشةٍ‮:‬
رسمُ‮ ‬القلب
يشير إلي سكاكين الزمان‮:‬
1975‮: ‬تحت ثوبها المنقوطِ‮ ‬بالأزرق،
تعلمتُ‮ ‬أن الجسَدْ‮ ‬قبّةُ‮ ‬الروح،
1977‮: ‬انتفاضة الجوع
بعد أن طارت‮ ‬يمامةٌ،
1986‮: ‬باح الفتي بغرناطةٍ‮:‬
‮»‬تَقْلِبينَ‮ ‬خُطّةَ‮ ‬القَلب‮«‬
فجلجلت ضحكةٌ‮ ‬ساخرةٌ،
2005‮: ‬الريشةُ‮ ‬التي مسّت المُخَّ
لكن أنفاسَ‮ ‬الأحباءِ،
ذوّبتْ‮ ‬شللَ‮ ‬العينِ‮ ‬والسّاقِ‮ ‬والذراعْ
2007‮: ‬قفاطينُ
يطلبون رأسي،
لأنني قلتُ‮ ‬إن الله أوسعُ‮ ‬من مخاليقه‮.‬
خايلتْه أصواتُ‮ ‬عزّافينَ‮ ‬يهزجون‮:‬
‮»‬فؤادي في‮ ‬غشاءٍ‮ ‬من نبالٍ‮«‬

تحليل دم

تعرّجاتُ‮ ‬الرّسم ميّاسَةٌ‮:‬
صعودٌ،‮ ‬خرائبُ،
وديع الصافي،‮ ‬خنجرٌ،‮ ‬زجاجٌ‮ ‬مهَشمٌ،
متنبي،‮ ‬تشكيلٌ‮ ‬سرياليٌّ،
بقايا‮ ‬غرامةٍ‮ ‬وغرامٍ،‮ ‬شجوةٌ‮ ‬مطبوخةٌ،أشرف نجاتي،‮ ‬حروف منحوتة علي الأورطي‮:‬
‮»‬تكسّرتِ‮ ‬النّصالُ‮ ‬علي النصّالِ‮«.‬
قلتُ‮ ‬لشقيقةِ‮ ‬الشهر‮:‬
أريدُ‮ ‬بعد خروجي من البئر بناتي أمامي
نشلوني من البئر في قفّة
فكنتُ‮ ‬خلف خوصِ‮ ‬قفّةٍ‮ ‬أتبيّن الصّبَايا‮:‬
لميس‮: ‬ذكاءُ‮ ‬القلبِ،‮ ‬والندّيةُ،‮ ‬حكمةُ‮ ‬الحنانِ،‮ ‬عيونُ‮ ‬القطط،‮ ‬ورائحةُ‮ »‬زاهية‮«‬
رنيم‮: ‬حصّةٌ‮ ‬في الرّقة،‮ ‬القَافزة خلف البحر قبل موسم القفز،‮ ‬الذوبانُ‮ ‬لحاله،
حنين‮: ‬سلامة الفطرة،‮ ‬ملحُ‮ ‬الأرض،‮ ‬التي لا‮ ‬يعجبها‮ »‬دهاليزي والصيف ذو الوطء‮«‬،
وبسببي حفظت مستشفياتِ‮ ‬القطر
تراءي له آخرَ‮ ‬الهزيع
أن العسكرَ‮ ‬حوله‮ ‬ينظرون
في تحليلِ‮ ‬دمٍ‮:‬
قطرانٌ‮ ‬ثقيلٌ،
مخلفاتُ‮ ‬الضغائنِ،
الهمزةُ‮ ‬اللمزةُ،
روَثُ‮ ‬النظام السياسيّ،
سيانور البوتاسيوم
تراءي له بليلٍ‮ ‬جوهرُ‮ ‬الأطباء،
فأنشدَ‮ ‬المطربُ‮ ‬العاطفيُّ‮:‬
يالفتنة الجيش
لكن طفلاً‮ ‬علي الكورنيش مزّقَ‮ ‬السكونَ
حين ألقي سؤالَه الخفيض‮:‬
لماذا إذن مصُّوا الهواءَ
من مصر؟

النبع

يأتي عوَّادونَ‮ ‬من جلطةِ‮ ‬المخّ،
ويأتي عازفو بيانو من عجْز كليتين،
ويأتي لاعبو كمنجةٍ‮ ‬من ارتفاعِ‮ ‬الضغط،
كلُّ‮ ‬بَكَّاءٍ‮ ‬يحمل الآلةَ‮ ‬تحت الإبط،
وفي أطرف الأصابع شاراتُ‮ ‬الخسارة‮.‬
أما أنا فمهمتي كانت
تجميعَ‮ ‬الآلاتِ‮ ‬والرئاتِ،
علي كاهلِ‮ ‬المصابينَ،
كلُّ‮ ‬رئةٍ‮ ‬وآلتُها المكسورةُ،
كلُّ‮ ‬آلةٍ‮ ‬ورئتُها النازفة،
وأهتفُ‮: ‬يعيش انسجامُ‮ ‬الكسيرَيْن،
ثم تجميعُ‮ ‬الخسائر في جسدٍ‮ ‬واحدٍ،
يمرُّ‮ ‬من مطهرٍ‮ ‬إلي جحيم
قلتُ‮ ‬لقائدِ‮ ‬البحر‮:‬
اجعلْ‮ ‬لي آيةً
قال‮: ‬آيتُك أن تتجلي للجار
ليلةً
علي هيئةِ‮ ‬حلمٍ،
وأن تتجلّي للجارْ
ليلةَ
علي هيئةِ‮ ‬كابوسٍ،
وعندما تعذّبه حيرةُ‮ ‬الليّالي،
اتركْ‮ ‬علي سرير الجار علامةً‮:‬
نقطةَ‮ ‬دمٍ‮ ‬طرٍّي
وفي مطلع كلِّ‮ ‬أسبوعٍ،
خُذ الجارَ‮ ‬إلي النبعِ،
وغُطَّة في الماءِ‮ ‬كلَّه،
إلاّ‮ ‬كعبَه‮.‬
واتركْ‮ ‬له علي حافةِ‮ ‬النبعِ
قصاصة تقولَ‮:‬
‮»‬في المخاطرةِ‮ ‬جزءٌ‮ ‬مِنْ‮ ‬النجاةِ‮«.

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail