صائم / جمال القواسمي

مع انه صائم، لكن الرجل أكل مقلب حياته حين تذكر بأنَّ عليه شراء بعض احتياجات البيت وعتلها. في السوق عند سفح الجبل، وقف صامتاً عند البائع الأخير وقد أكل هوا، فهو لم يستطع شراء كل شيء فقد اكتشف ان يده قصيرة، وبطانة جيب بنطاله تخرج للملأ كأنها أصبعه الأوسط، فستر البطانة وأطعم الجيب بها؛ ثم أكل روح الزفت وهو يحمل حقيبة المدرسة، دفاتر الصف السادس للتصليح، خضار، نصف كيلو من القطايف، نصف كيلو من جبن الماعز وقنينة شراب التمرهندي ذات اللتر ونصف؛ وبينما هو يصعد الجبل إلى بيته مرَّ به جاره اللئيم الذي يملأ بيته والحارة بزعيقه، ورماه جاره بنظرات شزراء وقحة وابتسم لسبب لا يعلمه. وعند منتصف الدرجات الثمانين التي تفضي إلى بيته زلَّت قدمه بقشرة موز، وأكل خرا ليس لأنَّ إطار نظاراته وعدسة منها انكسرت، بل لأنَّ قدمه اليمنى آلمته جداً وبدا له انها انكسرت. توقع ان يأتي أحد ما ويساعده، على الأقل بحمل الأغراض، لكن جاره اللئيم وامرأتين وثلاثة أولاد نظروا إليه من علُ على الدرجات العليا نظرات بلا اكتراث، أطعمه جاره شماتته، وأعطاه أصبعه الوسطى وقال له: كُلْ في عينك!! قال: اللهم اني صائم وتجرَّع ألمه، آخ الألم!! بوسعه احتمال كل شيء، لكن كيف يحتمل الوجع!؟ تحامل وبلع الخازوق، إرباً إرباً، وزحف صاعداً الدرج بيديه القصيرتين، بقدمه الموجوعة، بجيب قميصه الفارغ إلا من فاتورتين تنتظران الدفع، وجسده الذي يحتاج إلى الدفع والرفع والرقع، وكم تمنَّى أن يلوك مسكناً للألم، وفكر بأن المسكِّن حرام لأنَّ عليه تذوقه وبلعه، واستقرَّ رأيه على عدم حاجته إلى طبيب، فلسوف يُفتي بضرورة افطاره، وخطرت له فكرة تمنى أن يبيع براءة اختراعها فهي تحافظ على صوم المؤمنين: الحل هو تحميلة مُسكِّن، تحميلة، تحميلة يا رب!! تحميلة واحدة لكي لا أفطر، تحميلة يا رب، اللهم اني صائم…

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail