قصائد / أحمد يماني

الجنازة

مات تشيمو هذا الصباح.

تشيمو ليس صديقي. لكنه مات.

كان يتحدث بلا انقطاع كمن يسدد دينا قديما للكلمات

التي على وشك أن تهجره.

غدا سألبس معطفي الأسود وأمضي إلي الجنازة

وعندما أعود إلى البيت سأبتسم لنفسي.

اليوم مات تشيمو،

أحد معارفي،

وها أنا لم أعد غريبا في هذه البلاد.

……………………..

الدفتر الأحمر

كنت أزجي ليلي الطويل، كحارس مستجد لأحد المصانع، بقراءة مسترخية أبطئها قدر ما أملك كي ينقضي ليلي. كان كتابا صغيرا لبول أوستر “الدفتر الأحمر” يروي مصادفات واقعية ولا يرى الصدفة عمياء بتاتا. كنت أنتقل من صدفة إلى أخرى حتى وقعت على هذه: كان بول أوستر في شبابه يعمل حارسا مؤقتا لأحد البيوت في ريف الجنوب الفرنسي مع صديقته لقاء المأوي.

بحثت سريعا عن ورقة لأدون هذه الملاحظة وأسلي نفسي بأن العمل حارسا ليس سيئا تماما. كنت أبحث عن أية ورقة ملقاة وعلى مكتب غرفة التحكم كان يقبع هناك منزويا الدفتر الأحمر الصغير.

…………………..

البيتان

أصحو في الغرفة نفسها لأجد يدي تطرطش البحيرة القابعة أسفل السرير، لأجد الحائط السميك من بيتي القديم بنافذته المغبرّة وقد حلّ مكان حائط رئيسيّ في الشقة. فتحتُ النافذة وكان المساء لا يزال. وكان أبي في المطبخ، كانت يده على مكبس الضوء ورجله التي تنقصها السنتيمترات الخمسة بدت أطول من الأخرى، ناديته ولم يردّ، كان فقط يبتسم ويدعوني بإشارات من يده أن أواصل النوم. العالم منديل، يقولون هنا. نقول نحن هناك الدنيا صغيرة. في الليل أذهب إلى بيت أهلي، من الفرجة التي فتحتها خلف بيتي الجديد. أبقى هناك ساعة أو اثنتين أطمئن على دواء العائلة، على نوم أبويّ وعلى إفطارهما. في الفجر أهيّئ مركبتي وأعاود رجوعي ثانية.

…………………….

الهروب الكبير

كانوا قد حكموا عليّ بالإعدام أنا واثنين من أصدقائي وذلك حسب قولهم للقتل الرحيم الذي أفضى إلى موت صديق رابع لنا. لم نفهم جيّداً ما يعنونه بتلك الأقاويل ومن ثم فقد تركونا طلقاء دون حراسة أو زنازين وحكموا علينا بنوع من الإعدام يسمونه الرحيم كذلك، وهو نوع تنفّذه امرأة في منتصف العمر لها وجه بشوش وليس به من ألم ولكنه موت على أية حال. تشاورتُ مع أمي وأصدقائي قبيل التنفيذ بقليل وقررت الهروب وافقوا جميعاً بينما بقيا هما في انتظار السيّدة. وما إن خرجتُ بعدما أعطوني كل ما لديهم من نقود حتى تقابلتُ والسيدة الرحيمة وجهاً لوجه بجانب البيت. لم ينظر أيّ منّا للآخر تحاشتني ومضت وأنا تجاوزتها بقليل وبدأت أجري وأنا أتلفت ورائي في بلاد أخرى.

……………………..

بائعة التبغ

يدها على العلبة وقدمي خارج البيت. فجأة تعتم، وهي تواصل فرك التبغ على فخذها اللامعة.

تتوقف قليلاً تنقل نصف التبغ إلى الفخذ الآخرى وأنا أدخل في الدهليز الطويل وأبدأ التدخين.

 

من ديوان “أماكن خاطئة”

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail