شعبية الشعر / جورج أورويل

George Orwell Laghooكان أرنولد بينيت (كاتب وروائي إنجليزي) بالكاد يبالغ حين قال : إن كلمة (شعر) في البلدان الناطقة بالإنجليزية ستفرق جمعا ما أسرع من خرطوم حريق، وكما أشرت فإن خرقا كهذا ينزع لأن يتضخم ببساطة نتيجة لوجوده، حيث عامة الناس يصبحون معادين للشعر أكثر وأكثر، ويصبح الشاعر متعجرفا وغير مفهوم أكثر وأكثر، حتى يقبل الطلاق بين الشعر والثقافة الشعبية كأحد قوانين الطبيعة، على الرغم من أنه في الواقع ينتمي لزمننا نحن فقط وإلى رقعة صغيرة نسبيا من الأرض.

نحيا في عصر حيث عامة الناس في البلدان المتحضرة للغاية أدنى جماليا من أقصى متوحش، هذه الحالة ينظر إليها عموما كحالة غير قابلة للعلاج عبر اي فعل واع، ومن جانب آخر يتوقع منها أن تنصلح بنفسها حالما يأخذ المجتمع شكلا أجمل، مع اختلافات طفيفة فإن كلا الماركسي والفوضوي والمتدين سيخبرونك بهذا، وباستخدام عبارات عامة فإن ذلك صحيح بلا شك. البشاعة التي نعيش في خضمها لها أسباب روحية واقتصادية ولا يمكن تعليلها بمجرد ضلال التقاليد عند نقطة أو أخرى، لكن لا يترتب على ذلك أن أي تحسين هو غير ممكن في إطار حاضرنا، ولا أن تحسينا جماليا هو ليس بالضرورة جزءا من تعاف عام للمجتمع. لذلك فمن المجدي التساؤل للحظة : أليس ممكنا حتى الآن إنقاذ الشعر من وضعه الخاص كأكثر الفنون كراهية، والكسب من أجله القدر نفسه من التسامح الموجود تجاه الموسيقى، لكن على المرء البدء بالسؤال بأي طريقة ، وإلى أي حد يفتقر الشعر للشعبية؟.

في ظاهر الأمر فإن عدم شعبية الشعر تامة إلى أقصى حد ممكن، لكن عند الاستدراك ينبغي أن يقاس هذا الأمر بطريقة غريبة أخرى، أولا ما زال هناك قدر يمكن الإحتفاء به من الشعر التراثي (أغاني الأطفال … إلخ) المعروفة على نطاق شاسع جدا، وتشكل جزءا من وجدان كل شخص، هناك أيضا بضعة أغان عتيقة والقصائد التي لا تفقد محبتها قط، بالإضافة إلى هذا هناك شعبية، أو على الأقل التسامح تجاه الشعر (الرديء على نحو جيد)، من الصنف الوطني أو العاطفي عموما، قد يبدو هذا غير ذي صلة لو لم يكن الشعر (الرديء الجيد) بعينه يحمل كل الخصائص التي تجعل عامة الناس ظاهريا ينفرون من الشعر الحقيقي. هو منظوم ومقفى، يعنى بالمشاعر السامية واللغة غير المألوفة – كل هذا إلى حد ملحوظ جدا ، إذ أنه من البديهي تقريبا أن يكون الشعر الرديء أكثر (شعرية) من الشعر الجيد، مع ذلك إن لم يكن محبوبا بحماسة فهو متسامح معه على الأقل، على سبيل المثال قبل أن أكتب الآن تماما كنت أستمع إلى اثنين من الممثلين الهزليين لدى ال (بي بي سي) يقومان بفقرتهما المعتادة قبل أخبار الساعة التاسعة، في الدقائق الثلاثة الأخيرة يعلن أحدهما أنه “يريد أن يكون جادا للحظة”، ويمضي لتلاوة مقتطف من لغو وطني معنون ب “رجل إنجليزي مهذب وممتاز” في مدح جلالة الملك. إذا ما هو رد فعل الجمهور نحو هذه القفزة المفاجئة إلى أسوأ أنواع القوافي البطولية؟ لا يمكن له أن يكون سلبيا على نحو جاد، أو لكان هناك عدد كاف من الرسائل الساخطة المطالبة (بي بي سي) بالتوقف إن عمل شيء كهذا.

على المرء الاستنتاج أنه رغم أن الجمهور الكبير هو عدائي تجاه الشعر، فهو ليس عدائيا جدا تجاه القالب الشعري؛ ففي نهاية المطاف لو أن القافية والوزن الشعري كانا مكروهين بحد ذاتهما، لما كان لكل من الأغاني أو القصائد الحماسية الشعبية الفاحشة أن تكون شعبية. الشعر مكروه لأنه مقرون بالغموض، والرياء الفكري، والإحساس العام بأنك تمضي يوم الأحد في أحد أيام الأسبوع. اسمه يخلق مسبقا الإنطباع السيئ عينه مثل كلمة (رب)، أو ياقات الكهنة المشابهة لياقات الكلاب، إلى حد معين فإن ترويج الشعر هو مسألة تحطيم كبت مكتسب، هي مسألة تتعلق بحمل الناس على الإستمتاع بدلا من نطق أصوات معترضة ميكانيكية الطابع. لو أنه تيسر تقديم الشعر الحقيقي إلى العامة بطريقة يمكن بها جعله يبدو طبيعيا، كما بدا هذا المقتطف الذي استمعت له توا طبيعيا افتراضيا، عندها يمكن تجاوز جزء من التحامل ضده.

 

من كتاب “لماذا أكتب” – الشعر والميكروفون. ترجمة: علي مدن   

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail