صناعة الطاغية في الثقافة الشعرية العربية -عودة الفحل / عبد الله الغذَّامي

“أو ليست الثقافة الشعرية باعتمادها لنموذج الفحل هي التي تؤسس وتنمذج صورة الطاغية في الذهنية الثقافية، متوسلة بالجمالي والمجازي لتمرر نماذجها وتجملها في ذائقتنا..؟!”

1

تهشيم النسق

 

في عام 1947 حدثت حادثتان ظاهرهما أدبي، وحقيقتهما ثقافية، حيث ظهر نزار قباني في دمشق، مع ديوانه طفولة نهد، وظهرت نازك الملائكة، ومعها حركة الشعر الحر والسياب. وكأنما كان ظهور نزار ردا نسقيا على ظهور نازك. ولقد سبق أن ناقشت مشروع الشعر الحر (قصيدة التفعيلة) بوصف ذلك حادثة ثقافية، بما إنها مسعى ثقافي لكسر عمود الفحولة، وإحلال نسق بديل ينطوي على قيم جديدة تنتصر للمهمش والمؤنث والمهمل، وتؤسس لخطاب إبداعي جديد يتطبع بالطابع الإنساني، له سمات النسق المفتوح على عناصر الحرية والإنسانية. وكانت نازك الملائكة هي الرائدة فيه، ثم تلاها السياب في تطوير الخطاب وفي فتح آفاقه الإبداعية إلى أقصى مدى. ولن أكرر هنا ما قلته من قبل، غير أنني أستدعي الموضوع هنا لأشير إلى ما يمكن أن يفعله النسق المهيمن بسطوته الضاربة لمواجهة أي مسعى لكسر الهيمنة النسقية، وهي هيمنة انغرست في أعمق أعماق الوجدان الثقافي العربي، ولذا فإن ظهور نزار قباني متزامنا مع ظهور نازك والسياب سيكون هو الرد النسقي على محاولة زعزعة سلطة النسق الفحولي.

ولذا فإن نازك ونزار ليسا ظاهرتين أدبيتين فحسب، بل هما أيضا علامتان ثقافيتان ينطوي خطاب كل منهما على (نسق) عميق يتوسل بالجمالي لكي يمرر رسالته ويغرس تأثيره. كما إن نزار ونازك ليسا وحيدين هنا بل هما مثالان على خطابين متجذرين ومتفرعين، والسياب وأدونيس يأتيان في قلب المعمعة مع نازك ونزار، فالسياب من جهة، وأدونيس من جهة ثانية، هما علامتان على نسق وآخر، وبينهما اختلاف شاسع له دلالاته النسقية الخطيرة. وإن كان السياب مع نازك يمثلان مشروعين في كسر عمود النسق الفحولي والتأسيس لخطاب جديد، فإن نزار وأدونيس سيتوليان إعادة الروح للنسق الفحولي بكل سماته وصفاته الفردية المطلقة والفحولية التسلطية، وسيحققان عودة رجعية إلى النسق الثقافي القديم المترسخ، والذي سيتجدد ويزداد ترسخا وقبولا على يديهما كممثلين فحوليين لذلك النسق، كما سنرى في هذا الفصل. وعبر الاستفحال الذي يمثله نزار، والتفحيل الذي يمثله أدونيس، ستجري إعادة النسق إلى نشاطه وفاعليته. وسيجري تحويل مشروع العربية من ثوريتها على النسق، إلى خضوعها التام للنسق وانضوائها تحت شرطه الثقافي والذهني. وهذا لن ينحصر في الشعر فحسب، بل سنجد له آثارا في الخطاب العقلاني/الفكري، مثلما هو موجود في الخطاب الإعلامي والسياسي. وذاك يغذي هذا ويؤسس له. وسنعرض لنماذج على ذلك من نزار قباني وأدونيس، حيث سنسعى إلى ملاحقة النسق وكشف آثاره وفضح علاماته في ما يلي من مباحث.

على أن من المهم أن نشير هنا إلى أن النسق لا يتحرك على مستوى الإبداع فحسب، بل إن القراءة والاستقبال لهما دور مهم وخطير في ترسيخ النسق، ومن المؤكد أن نزار قباني كان صنيعة القراء مثلما هو مبدع لنصه، فاستقبالنا لنزار وحماسنا لشعره كان سببا لشيوعه من جهة، وكان سببا لاستمراره في كتابة ذلك النمط الشعري من جهة ثانية، كما أن تقبلنا لهذا الخطاب كان يخضع لدوافع نسقية تحرك ذائقتنا وتتحكم فيها وتوجه خياراتنا، مما يعني أننا نتاج نسقي وأننا كائنات نسقية، ونشترك كلنا في صناعة النسق مثلما نشترك في الانفعال به. وليس أدل على ذلك من أن نازك الملائكة القارئة تختلف عن نازك المبدعة، حيث نراها في كتابها قضايا الشعر المعاصر تنقض ما كانت قالت به في شظايا ورماد، وراحت تقف ضد انطلاقات الشعر الحر وتتقمص دور الأب المربي الذي يأمر وينهى ويمنع ويعاقب ويعترض على ما في الخطاب الجديد من مظاهر التحرر والخروج على النمط القديم. وهي بهذا تتكلم باسم النسق الذي يحتل ذائقتها القرائية، على الرغم من تحررها منه مرحليا في فعلها الإبداعي. وهذا يوضح مدى قدرة النسق على التغلغل إلى بواطننا والتحكم بردود أفعالنا، كما يوضح مدى سيطرة النسق على عاداتنا القرائية والذوقية، وإلا كيف نتقبل خطابا يتضمن الهيمنة ويدعو إلى عبودية الفرد وينطوي على فردية مطلقة وحس متعال ينفي الآخر ويقول بالإطلاق، في زمن نقول فيه بالحرية والتعدد والاختلاف وقبول الآخر…؟!

إن هذا يجري لنا في وقت واحد، حيث نستهلك خطابات الهيمنة ونتمثلها في تناقض تام مع ما نؤمن به صراحة، وهذا هو فعل النسق كما شرحناه في الفصل الثاني، حيث ينطوي الخطاب على بعدين ينقض مضمرهما منطق صريحهما دون وعي من مستهلك الخطاب ولا من مبدعه.

2

نسق الاستفحال

لئن كان ظهور نازك الملائكة عام 1947 وكسرها لعمود الفحولة يمثل دلالة ثقافية عن فتاة يافعة تقتحم النسق الفحولي وتحطمه وتؤسس مع السياب حركة جديدة ومختلفة في ثقافتنا ولأول مرة، مع ما في ذلك من دلالات عميقة حيث تظهر المرأة فاعلة ومؤثرة في صناعة الخطاب وفي فتح نهج جديد، حيث بدا الخطاب الفحولي في موضع التحدي والمساءلة، إلا أن الثقافة لا تعجز عن اختراع ممثلين يمثلون سلطانها الأقوى ويتولون حراسة مكتسباتها، وهذا ما حدث فعلا، إذ كان ظهور نزار قباني في العام نفسه هو الجواب الرادع على حالة التمرد النسقي في مشروع الحداثة الغض وقت ذاك.

ولكي نتصور الأمر لنعد إلى نزار قباني في أول ظهوره مع ديوانه طفولة نهد، حيث نقرأ في الصفحات الأولى للديوان قوله:

“ماذا نقول للشاعر، هذا الرجل الذي يحمل بين رئتيه قلب الله، ويضطرب على أصابعه الجحيم، وكيف يعتذر لهذا الإنسان الإله الذي تداعب أشواقه النجوم”.

هذا كلام يقوله نزار عام 1947، عام ظهور حركة الشعر الحر، وينقل بعد ذلك كلمة كروتشه، وهي كلمة تتضمن قانون الفحولة التالي:

“على الناقد أن يقف أمام مبدعات الفن موقف المتعبد، لا موقف القاضي”.

هذه مقولات تتصدر مشروع نزار قباني الشعري، الذي سيجري وصفه في ثقافتنا على أنه مشروع تحرري وتنويري، وسيجري استهلاكه على هذا الأساس، مع شيء غير قليل من العمى الثقافي فينا وفي وعينا النقدي.

ولا بد هنا أن نستذكر ما سبق أن قلناه عن (اختراع الفحل) وعن الصورة النسقية للفحل الثقافي، وعن صورة (صناعة الطاغية)، وهي أنساق ثقافية متجذرة وظلت تمر من دون نقد حتى شكلت أساسا ثقافيا وذهنيا ظل يعاود الظهور ويزيف المشاريع الإبداعية، حتى ليبدو الرجعي عندنا تقدميا، ويتحول التقدمي إلى رجعي، وكل حالة خروج عن النسق يجري حرفها إلى المسار النسقي وإدخالها إلى بيت الطاعة بفضل جهود مغرية كشعر نزار قباني، بما يتحلى به من جمالية راقية ومن أناقة لغوية متفردة، ومعها جماهيرية واسعة لدى القراء والقارئات العرب. غير أن تحت الجماليات عيوبا نسقية فاحشة وخطرة، والجميل يحمل المعنيين معا: الجمال، والشحم، كما هو المعني العربي للكلمة.

وبما أن نزار فحل يرث أسلافه من الفحول فإنه سيضع نفسه في الموضع المتعالي، أليس يقول إن الشاعر هو الإنسان/الإله، وأنه يحمل بين رئتيه قلب الله، وأن على الناقد أن يقف موقف المتعبد أمام مبدعات الفحل الأسطوري..؟!، بما أنه يحمل هذا الموروث الفحولي بكامل نسقيته فإنه حتما سيتمثل هذه الفحولية شعريا، وها هو ينصب نفسه مانحا عبيده القراء والقارئات لجنات هي جناته ولنيران هي نيرانه، فيقول:

إني خيرتك فاختاري

ما بين الموت على صدري

أو فوق دفاتر أشعاري

لا توجد منطقة وسطى

ما بين الجنة والنار

ثم يتصاعد به الموقف إلى لحظة التوحد التام مع الذات عابدة/معبودة:

مارست ألف عبادة وعبـادة فوجدت أفضلها عبادة ذاتي

هذه ليست مجرد مبالغات شعرية، ولعل عيب ثقافتنا هو في إصرارها على التعامل مع الأوهام بوصفها مبالغات شعرية، وعلى أن أعذب الشعر أكذبه. في حين إن هذه المبالغات المزعومة هي ما يؤسس للتصورات الذهنية والثقافية عن سلطوية الذات وسموها وجبروتها. وكان نزار يدرك فداحة الموقف مما جعله يقول:

وذنوب شعري كلها مغفورة والله جل جلالـه التــواب

هذه الذنوب لا يغفرها نزار لنفسه بل إن الثقافة ذاتها اتخذت لنفسها قاعدة متعالية بتجاوز أخطاء الفحول وغفرانها لهم، فهم الذين يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، وهم الذين يصورون الحق بصورة الباطل، والباطل بصورة الحق. وهذا قانون فحولي/سلطوي قديم ومتجذر، وهو ما يسمح لهذه الأخطاء بأن تتسرب إلى وجداننا من غير رقيب ولا نقد، ومن ثم تصبح نماذج تحتذى كأساس للسلوك الاجتماعي والسلطوي، كما أشرنا من قبل، وكما سنوضح بمزيد من التوضيح هنا. ذاك ما يبرر التنمذج النسقي ويعزز مفهوم التسلط والتعالي الفردي ويدفع إلى طغيان الذات المفردة، والأنا المتوحدة، والمرتبط بالضرورة بإلغاء الآخر ورفض التعددية، وترسيخ الصوت الفرد، وهي قيم خلقها وعززها النموذج الفحولي الشعري، وصارت قاعدة مسلكين لكل نماذج التسلط والفردية الاجتماعية والسياسية، بما إن الشعر هو الوجدان العربي، ومن ثم فإن نماذجه هي ما يرسم القيم السلوكية الاجتماعية، من تحت غطاء التبرير البلاغي لكل أخطاء وعيوب اللغة الشعرية مما شعرن كل مظاهر حياتنا من غير أن نعي ذلك. ولم يكن الأمر مقتصرا على الشعر وجمالياته، بل إن المجاز الشعري تحول مع الزمن ليكون قيمة اجتماعية مسلكية، كما وضحنا في مبحث (صناعة الطاغية) في الفصل الرابع.

وحينما نتحدث عن نزار قباني هنا فلا شك أنه ليس إلا طرفا من سلسلة طويلة، وهو إحدى الخلاصات الثقافية للنسق الفحولي، ويعزز ذلك جماهيرية نزار مما يعني توافقه مع الحس الوجداني العام للثقافة، ومن همنا هنا أن نكشف ضمير هذه الثقافة ومستخلصاتها النسقية.

ولقد تجلت فحولية نزار عبر خطابه الذاتي الذي يخاطب فيه نفسه أكثر من مخاطبته للآخر، ومن أجل استقراء سيرة هذا الخطاب نقف عند اقتباسات جوهرية من كلمات قباني ومقولاته. على أننا نحتفظ دائما بفكرة أساسية وهي أن هذه الفحولية ليست من إنتاج نزار قباني بقدر ما هي موروث ثقافي استلهمه نزار وانساق وراءه، وخضع له، كما أننا لن نغفل عن فكرة جوهرية، وهي أننا نحن كقراء مسؤولون مسؤولية مباشرة عن ترسيخ هذه الصورة، خاصة نحن جيل نزار وقراءه المباشرين الذي صفقنا له وتجمهرنا من حوله وصرنا معه مساهمين في صناعة النسق وترسيخه، ومن ثم نحن صناع طواغينا، بما إن النسق الفحولي الشعري هو ذاتي نسق الطاغية الاجتماعي والسياسي، كما قلنا من قبل ونزيد في القول.

إن الوقوف على سيرة الخطاب النزاري عبر التقاط اقتباسات دالة من مقولاته تكشف لنا عن سياسة الثقافة التي يؤسس لها هذا النوع من الأدب الجماهيري، ولعل ميزته هي علته في الوقت ذاته، إذ إن الجماهيرية مرتبطة بالنوازع النسقية مما يعني أن شعر نزار هو ما سيكشف لنا عن المضمر النسقي للثقافة العربية بوصفه شاهدا عليها وعلينا وعلى نفسه.

وها هو يقول عن نفسه بتصديق ذاتي مفرط: “أنا مؤسس أول جمهورية شعرية، أكثر مواطنيها من النساء”.

وهذه دعوى غير صحيحة طبعا، وليس يهمنا مدى صحتها، ولكن المهم هو حدوث الدعوى بذاتها وانتشاء (الأنا) بجمهوريتها المزعومة وبمواطنيها من النساء مذ كانت الفحولة الشعرية هي المبدأ المحرك لشهوة الإبداع عند الشاعر.

وبما إن الجمهورية هي جمهورية الفحل، فلا بد أن يكون الرعايا نساء. ومن حق السيد الشاعر أن يعلن عن غايته من جمهوريته هذه فيقول: “إنني أكتب حتى أتزوج العالم… أنا مصمم على أن أتزوج العالم”.

ويبدأ مشروع الفحل في تحويل العالم إلى جمهورية نسائية تخضع للاستفحال، يبدأ عبر انتهاك عذرية اللغة وفضها من قبل الشاعر الفحل، وذلك لأن الكلمات في اعتقاد الشاعر عذارى وتظل كذلك إلى أن يضاجعها كي تتعهر، وعبر معاشرة الشاعر الفحل لها تتحول اللغة إلى أميرة أو إلى خادمة.

هنا يظهر الشاعر بوصفه أمير الكلام، بما إنه يجوز له ما لا يجوز لغيره، وهو (الطفل الوحيد الذي يسمح له في المجتمع العربي أن يلعب باللغة). وهذه هي أخطاؤه التي يصفها بالأخطاء الجميلة، ويؤكد ذلك بقوله: “إنها أخطاء جميلة لأنني جين أستعرضها بعد أربعين سنة من ارتكابها أجدها رائعا حقا”.

هذا يعني أنها أفعال ليست عفوية أو انفعالية، إنها عمل مخطط ومبتغى مرتضى ومقصود، وهي مشروع طويل الأمد احتاج إلى أربعين سنة من البنية والتخطيط والانتشاء الفحولي بالنتائج مع الإصرار على الخطأ رغم وعيه به، وهذه من سمات الفحل/الطاغية، الذي يجعل الباطل حقا والحق باطلا، كما هو وصف الخليل للفحول.

هي مشروع لانتهاك اللغة والعالم وتحويل اللغة إلى خادمة تنصاع لمراد السيد الشاعر مع الرغبة في إذلال العالم وإخضاعه لنزوات الفحل، وبمعنى آخر هي بعث لعادة (الاستفحال) وهو: “أن يطلق الفحل الجسيم على النساء ليحبلن منه، وهي عادة في بعض بلدان الشرق”.

إن الشاعر هنا يقدم بإصرار وتعمد على استنبات مفهوم (الفحل) بخصائـصه الفحولية المتعالية. ولن تكتمل هذه الفحولة إلا بإلغاء الآخر وإعلان وحدانية الذات، وهذا هو الوجه الآخر لصورة الفحل.

يقول نزار قباني في ذلك: “إنني لا أقيس نفسي بأحد.. إنني أقيس نفسي بنفسي”.

هذا هو علقمة الفحل الذي لا يرى أحدا غيره، ولذا كثر تبرم نزار بناقديه وأظهر الامتعاض منهم، وأعلن احتقاره لمنافسيه وازدراءه لهم، وقال إنهم يحسدونه ويغارون منه ومن شعبيته، ولذا فكر بإيجاد (قوة ردع أدبية) تلقي القبض على خصومه بتهمة الزنى بالكلمات والقذف العلني لسيدهم الشاعر/الفحل. والفحل هنا هو الحجة والداعية، كما يقول فحل آخر سنراه بعد قليل، فالفحل يضع قوة رادعة ويبتكر التهمة التي قد تكون الخيانة العظمة والعمالة، مثلما هي الزنى بالكلمات والقذف العلني، وويل لمن لمس الفحل أو تحرش به فعداوته بئس المقتنى، كما هي قاعدة أي فحل سلطوي. والنهاية هي تصفية الجو للسيد الفحل بالحكم المطلق ولا أحد سواه.

وإذا كان الشاعر يحمل في داخله هذه المشاعر، فإننا نسأل عن جمهوريته التي ادعى تأسيسها، وأي جمهورية هي…؟

أهي جمهورية من رجل واحد والباقي جوار تستجيب لنزواته وشهواته بما في ذلك اللغة التي تنتظر معاشرته ومضاجعته لها، والعالم الذي ينتظر منه أن يدنيه إلى فراش الزوجية، وبعد ذلك يتولى الشاعر طرد الآخرين من جمهوريته الخاصة به وحده دون سواه.

هذه الجمهورية المحروسة بقوة الردع الأدبية التي تحمي حمى السيد الشاعر وتمنحه حق القول والفعل، أما من عداه فهم رعايا وخدم وجوار، وويل للمارقين.

هذا هو برنامج السيد الشاعر رئيس الجمهورية بوصفه الأب الرمزي الذي لا يصير فحلا إلا عبر تأنيث ما عداه، بمعنى أن هذه الفحولة –كما هو شأنها أبدا- ترى التأنيث نقصا ودونية وكائنا مسكينا تحتاج إلى الشاعر/الأب لكي يرعاها ويتكلم نيابة عنها –كما سنرى في الفقرة التالية-.

والفحل دائما فرد متفرد في فحوليته، وشيطانه ذكر لأنه نجم عجلي، أو هو عجل نجومي، هو وحده، لأن من سواه شيطانه أنثى وله الشيطان الذكر وحده.

الجميل الشعري/القبيح الثقافي:

تأتي النشوة البلاغية والهوس الجمالي بوصفهما حجابا يغطي على العيوب ويغشي العيوب عن التبصر. هذه هي لعنة الشعر حينما يكون جماليا فحسب، أو أنيقا فحسب. ومن تحت الأناقة تكمن البشاعة الإنسانية التي تأسست أصلا في الذهن الثقافي المهيمن وتوفر لها رموز يعيدون إنتاجها مستخدمين أجمل المبتكرات البلاغية والوسائل الأسلوبية. ومشكلة هذا النوع من الذوات والأنساق أنها ذات نسقية غير قابلة للتغير أو التحول. هي إياها لا تتغير. وها هو نزار في آخر أيام حياته، عام 1997 مثلما كتب في عام 1947، وكأن خمسين سنة من عمر الثقافة لم تمر ولم تفعل.

وفي واحد من آخر ما كتب من نصوص (جريدة الحياة 6/6/1997) تتردد جمل نسقية قالها من قبل خمسين سنة من مثل:

لم أزل من ألف عام،

لم أزل أكتب للناس دساتير الغرام

وأغني للجميلات…

على ألف مقام ومقام…

أنا من أسس جمهورية للحب…

لا يسكنها إلا الحمام…

***

لم أزل من ألف عام،

أحمل الأنثى على ظهري

وأرسيها على بر السلام

لم أزل أعمل كالنحلة،

في جمع الأزاهير

وتطبيع العصافير

وفي تزيين قاعات الشآم

أنا من ربيت دود القز

في أشجار نهديك

وحركت أحاسيس الرخام

***

منذ أن غنيت أولى كلماتي

وأنا أرفع شمس العشق

في وجه الظلام

لم أنم طيلة قرن كامل

يا ترى في أي قرن قادم

سوف أنام؟؟

***

قبل أن أكتب عن خصرك شعرا

لم يكن عالمنا

يعرف ما ريش النعام

***

كنت يا سيدتي خرساء قبلي

وبفضلي…

صار نهداك يجيدان الكلام…

***

فاشكريني…

كلما شاهدت أعضاءك في ماء المرايا

فبدوني لن يكون القد قدا

أو تكون الساق ساقا

أو يكون الكحل كحلا

أو يكون الورد وردا

وبدوني..

لن يكون الشعر المجنون إعصارا..

وسيفا يتحدى..

وبدوني..

لن تري في كتب التاريخ

عفراء وليلى

أو تري هندا ودعدا

***

واشكريني مرة ثانية

كلما جاء ربيع أو شتاء

فبدوني لن تكوني قمرا

يسكب الفضة والثلج

على نار المساء

وبدوني

لم يكن ثغرك مرسوما

كخط الاستواء..

***

يا التي رصعت كشمير يديها

بخيوط من قصب

وحواشي ثوبها

برقاقات الذهب

والتي مرت كعصفور ربيعي

ببستان الشعر كثيرا

أنت لولا الشعر، يا سيدتي

لم يكن اسمك مذكورا

بتاريخ النساء.

هذا نص يعيد صياغة التجربة الشعرية لدى نزار قباني مكررا أخطاءه (الجميلة..؟!) أو ذنوبه الصغيرة –حسب تعبيره- وهو جازم بأنه ذلك المتفرد الصانع الواهب فحل الفحول وشهريار العالم، الذي لولاه لما صارت الأشياء ولولاه لانهار الكون.

أنه يعيد جمله المركزية المتكررة في كل خطابه الشعرية والنثري، فيقول:

“أنا من ربيت دود القز

في أشجار نهديك

وحركت أحاسيس الرخام”.

مكررا ما قاله من قبل عقود:

“إن كنت أرضى أن أحبك

فاشكري المولى كثيرا

من حسن حظك

أن غدوت حبيبتي زمنا قصيرا

فأنا نفخت النار فيك

وكنت قبلي زمهريرا”

ذلك لأن الفحل ما زال منتشيا بفحولته فهو (مولاها) الذي لولاه لا تكون:

“قبل أن أكتب عن خصرك شعرا

لم يكن عالمنا

يعرف ما ريش النعام”.

شكرا لك يا مولانا… من نحن وما نحن لولا نباهتك وتنبيهك لنا عما كنا في عمى تام عنه لولاك أيها الرهبوت –مع الاعتذار لأمل دنقل-.

هذا عنا وعن العالم، أما النساء فلهن منه الهبات الكثار –مع الاعتذار للسياب-.

“كنت يا سيدتي خرساء قبلي

وبفضلي..

صار نهداك يجيدان الكلام”.

ألم يقل من قبل:

“ليس يكفيك أن تكوني جميلة

كان لا بد من مرورك يوما

بذراعي..

كي تصيري جميلة”

أما لماذا وكيف، فهذا ما كان جوابه جاهزا:

“ليس لك زمان حقيقي خارج لهفتي

أنا زمانك

ليس لك أبعاد واضحة

خارج امتداد ذراعي

أنا أبعادك كلها”.

لقد قالها مرارا ومرارا من قبل، غير أن السيد الشاعر يمن علينا دائما بتذكيرنا وتقرير الأوامر والتعليمات علينا فيعيد ما قاله قبل خمسين سنة في طفولة نهد حيث نتذكر قوله:

ما أنت من بعدي سوى طلل أنقاضه تبكي علــى بعــــض

وقوله:

اتركيني أبنيك شعرا وصدرا أنت لولاي يا ضعيفـــة طيــن

مشكلتنا أمام شعر كهذا أننا استسلمنا لقاعدة نقدية (بلاغية) ذهبية تمنعنا من النظر في عيوب الشعر لأنها تحرم علينا مساءلة الشاعر عن أفكاره وتحدد لنا مجال الرؤية في ما هو جميل وبلاغي، وليس لنا النظر في العيب والخطل الفكري، والرخصة الوحيدة هي في النظر إلى العيوب الشكلية في الأوزان والقوافي أو في عيوب التعبير اللفظي.


هذا ما تدربنا عليه ثقافيا مما يمثل مؤامرة جماعية ضد العقل والذوق تقبلناها وخضعنا لها، وكأنها هي صنم صنعناه بأيدينا ثم استسلمنا له خاضعين طائعين.

أو ليس هذا عمى ثقافيا..؟!

نعود ثانية إلى آخر قصيدة لنزار وعنوانها التقليدي –كما هو المعتاد الشعري لنزار-: (أنت لولا الشعر ما كنت بتاريخ النساء).

وهو عنوان يتضمن بالضرورة المعنى الحقيقي المخبوء في مضمر النص وهو: (أنت لولاي) بإحالة الضمير إلى الذات والتركيز على (الأنا) كما هو موجود في شعر نزار، وكما هو شرط الشاعر الفحل والأنا الطاغية.

وفي دعوتنا إلى النص لا بد أن نلحظ ترداد عبارة (وبدوني) التي طغت على القصيدة مكررة عبارة (أنت لولاي) التقليدية. هذا التكرار الذي يذكرنا بكلمة رولان بارت حول دور التكرار في التهييج الشبقي. وهو تكرار يقوم على الاستدعاء المستمر للملامح الجسدية للأنثى، هذه الكائنة التي تتقلص إلى مجموعة محددة من العناصر هي:

نهداك/أعضاؤك في المرآة/القد/الشعر/الثغر.

ولا شيء سوى ذلك، وهذه هي الأنثى مجموعة محددة من العناصر الجسدية تطفحبها لغة قباني، ويحدث من تكرارها المستديم حس تهييجي وشبقي صارخ.

على أن الحديث عن جسدية الأنثى ولا عقلانية الجسد المؤنث عند نزار قباني سيكون أمرا معادا ومكرورا، والجميع يتفقون عليه –ولا شك- ولكن السؤال هو: لماذا يصر نزار على ذلك، من جهة، ولماذا يندفع القراء (والقارئات) من جهة ثانية وراء هذا النسق الصارخ المقلص للجسد المؤنث والملغي لأي حس عقلي أو إنساني، مع ما فيه من استفحال وتصنيم للذات المذكرة..؟!

ومن المهم أن نأخذ مسألة الأنوثة عند نزار من قمتها، ذاك لأن الموقف من التأنيث هو الكاشف عن ألاعيب التفحيل، وهو الكاشف عن الموقف الفحولي من الآخر والمهمش، مع ما تمنحه الذات المذكرة لنفسها من سلطان على الأشياء والعالم والآخر (والأخرى)، ونبدأ من ديوان نزار الذي سماه (أحلى قصائدي) وهي مختارات شعرية انتقاها نزار من بين مختلف دواواينه وأعاد نشرها وسماها بالأحلى، وفيها نجد قصائد مرعبة من حيث ما تحمله من تصورات فحولية للذات عن ذاتيتها وعن علاقتها مع الآخر.

والآخر عند الذات الفحولية ليس سوى كائن أنثوي مختصر في جسد شبقي مشته، يدخل في علاقة (استفحال) مع الشاعر الكوني. وانظر مثلا هذه الأنثى التي تجثو أمام الفحل متوسلة إليه كي يشعل سيجارته من عينيها (ص ص24،49) هذا الفحل المتوحش الضارب اللاطم المستبد في قصائد يسميها بالمتوحشة (ص100) ذلك لأن الجسد المؤنث عنده ليس سوى دفتر يكتب عليه أشعاره. والمرأة بوصفها ورقة يخط عليها الشاعر فحولته وذنوبه وأخطاءه، في مرادف محدد الدلالة، فإذا كانت الكلمات ترادف الصفحات، والزجاجة للعطر، والبحر للمسافرين، فإن المرأة عنده ترادف الجنس تحديدا وحصرا، هذا ما نجده عند الشاعر المستفحل..!

وما بين قصيدة (لوليتا – ص45، أحلى قصائدي) وقصيدة (نهداك – ص105) يتقرر عمر المرأة، أي يتحدد الزمن الذي تكون فيه المرأة أنثى مطلوبة من السيد المستفحل ومرغوبة منه.

فلوليتا لا تلفت نظر السيد المستفحل إلا بعد أن تبلغ سن الخامسة عشرة، أما قبل ذلك فهي خارج البصر، ولم تكن مؤهلة لدخول القصر الإمبراطوري، ولكنها اقتطعت تأشيرة الدخول من لحمها ودمها، وصارت تستعطف السيد الشاعر بأن يتلفت إليها:

“صار عمري خمس عشرة

كل ما في داخلي غنى وأزهر

كل شيء صار أخضر

شفتي خوخ وياقوت مكسر

وبصدري ضحكت قبة مرمر

وينابيع وشمس وصنوبر

صارت المرآة لو تلمس نهدي تتخدر

والذي كان سويا

قبل عامين تدور

فتصور”.

تصرخ المرأة معلنة أنها صارت أنثى حسب شروط السيد الفحل، وبالتالي فإنها تستجدي نظرته إليها. وما من رجل يسمع هذه الكلمات إلا وتشتعل نيران فحولته وشبقيته، فهذا هو موسم القطاف. وهو موسم محدود، هذه بدايته، وسوف نرى نهايته في قصيدة (نهداك –ص105) حيث تسمع الأنثى أجراس الإنذار تدق في أذنيها حينما يقول لها السيد الفحل محذرا ومنبها:

مغرورة النهدين خلي كبرياءك وانعمي

بأصابعي، بزوابعي، برعونتي، بتهجمي

فغدا شبابك ينطفي مثل الشعاع المضرم

وغدا سيذوي النهد والشفتان منك فأقدمي

وتفكري بمصير نهدك بعد موت الموسم

بداية محددة، ونهاية محددة، يحددها النهد النابت للتو أو الذاوي للتو. هذا هو زمن القطاف وزمن الأنوثة لدى السيد المستفحل، وما خرج عن هذين الحدين المقررين من الشاعر فهو خارج النظر والرؤية، وصاحبته مطرودة من جمهورية الشاعر. تلك الجمهورية التي رعاياها نساء، ولكن أي فئة من النساء…؟

في داخل جمهورية السيد الزعيم تصدر بيانات الفحولة، ويكفي أن نقرأ قصيدته (الرسم بالكلمات) وهذه بعض أبيات منها:

لم يبق نهد أسود أو أبيــــض إلا زرعت بأرضه راياتـــــي

لم تبق زاوية بجسم جميلــــة إلا ومرت فوقها عرباتـــــي

فصلت من جلد النساء عبــاءة وبنيت أهراما من الحلمــات

هي كلمات بمثابة البيان الرسمي عن الاستفحال، وهي كلمات يتفوه بها نزار بلسان حال كل فحل وكل رجل، لأنها تمثل النسق الثقافي المغروس في أذهان الرجال عن وظيفتهم الوجودية مع الجسد المؤنث، كما عبر عن ذلك كتاب الروض العاطر مع شخصية (البهلول)، وأعاد قباني صياغته شعريا، في تجاوب تام مع النسق. وهذا هو المطرب والمغري فيها –حسب معيار الاستفحال ولا شك-.

ولكن السؤال هو هل هذا فعل صحيح ومسلك سليم وإنساني، في ظل ثقافة المساواة الإنسانية والحضارية التي نتنطع بها…؟!

وهل نقبل ذلك من دون حياء أو خجل، وهل يحسن بنا نقد هذه الصورة وتعريتها، أي نقد ذواتنا كرجال، ونقد ثقافتنا ومساءلة تصوراتنا بعيدا عن حالات الانتشاء والطرب –وهو انتشاء وطرب استغله نزار قباني بأقصى غايات الاستغلال واستثمره استثمارا ماديا مربحا ومروجا لأنه قدم للفحول لحما طريا وعبيطا يتلمظونه ويتبجحون به وبفتوحاتهم الجسدية المظفرة، في متعة تامة بالجمالي والبلاغي، وفي عمى ثقافي تام.

الطاغية والشاعر:

هل لنا أن نفترض السؤال التالي: ماذا لو أن الجمهور العربي انصرف عن شعر نزار قباني أثناء حياته، وقاطع أمسياته وامتنع عن شراء دواوينه ولم يزده تصفيقا وإعجابا..؟!

طبعا سيكون الجواب واضحا، وهو أن نزار قباني سيغير موقفه الثقافي وكنا سنرى منه مواقف مختلفة، وصورا أخرى غير التي تركها لنا، أو بالأحرى تركناه يصنعها لنا.

هذا يعني أننا نحن كقراء مسؤولون عن هذا الصنم الذي ابتكرناه لأنفسنا، وابتكرته الثقافة من أجلنا، وصار حالنا كحال الرعايا حينما يصنعون طغاتهم عبر التصفيق لهم، فيدفعون الطاغية إلى الرضا عن ذاته وطغيانه، وإلى مزيد من الطغيان.

إن الجمهور الراضي والمصفق يربي سيده على مزيد من الغلو والغرور. وهذا ما حدث بالضبط مع نزار قباني، إذ إنه صنيعة الثقافة الفحولية ومخلوق الجمهور المتغذي بهذه الثقافة والمرتوي منها.

إن نزار نموذج مطلوب في الذهن الثقافي، ولذا انوجد واستمر وثبت واتسعت رقعة انتشاره وتوزيعه.

ولهذا فإنه يلزمنا نقديا أن نشرع في نقد المستهلك الثقافي الجماهير لأن نقد هذا المنتوج ذي الشعبية العريضة سيكشف لنا عن (العيوب النسقية) الخطيرة الكامنة في وجداننا الثقافي، وسنرى (الجميل) بمعناه الآخر، أي (الشحم) داخل هذه التركيبة. ولا بد أن نكشف عن حالات (العمى الثقافي) التي بسببها نعجب بالعيب ونطرب للخطأ ونطلبه ونسوقه.

وإلا كيف نتصور شاعرا حديثا ومبدعا يقدم لنا صورة عن الذات الدكتاتورية/الطاغية، التي تنفي الآخر وتلغيه، وتحول العالم إلى جارية تتوسل سيدها الفحل بأن يتسرى بها مثلما يتسرى باللغة، ويحول الكلمات إلى خدم ومحظيات ينتهك حرمتهن متى ما شاء، لكي يتزوج العالم ويحقق مشروعه في (الاستفحال).

إذا كان هذا هو النموذج الشعري الأكثر شعبية في مرحلتنا هذه، فهل نلوم النماذج الاجتماعية والسياسية إذا كانت الثقافة ذاتها هي ثقافة النموذج الدكتاتوري الطاغي والمتفرد والنافي للآخر..؟!.

أو ليست الثقافة الشعرية باعتمادها لنموذج الفحل هي التي تؤسس وتنمذج صورة الطاغية في الذهنية الثقافية، متوسلة بالجمالي والمجازي لتمرر نماذجها وتجملها في ذائقتنا..؟!. ولقد رأينا في الفصلين الثالث والرابع ما يعزز هذا الزعم ويؤكده، وذلك منذ أن تشعرنت القيم الثقافية، وتشعرنت معها الذات العربية، وجاءنا عبر الجماليات الشعرية عيوب نسقية هي غاية في الخطورة، لا سيما أنها ظلت تمر من غير نقد ولا مساءلة، واكتفينا بالتغني بجماليات الشعر وغنائيات الشعراء عن ذواتهم المتضخمة، وسرى ذلك فينا حتى صار هو النموذج المحتذى.

ولذا فإن العلة ليست في نزار قباني بذاته، فنزار ناتج سقي للثقافة، مثلما أننا نحن شركاء في الذنب، فنحن نتاج نسقي أيضا تربينا على المعطى النسقي، وصرنا نطلبه ونطرب له مثلما نتمثله مسلكيا وقيميا. ولعل الفرق هو أننا لا نغفر لأنفسنا ذنوبها على عكس موقف نزار الذي لم يبال بذنبه النسقي، مستجيبا لدواعي النسق ذاته.

ولن يكون غريبا أن نقول إن مثل أشعار قباني هي التي تؤسس لميلاد الطاغية، وتعطي الطغاة صورة جاهزة للتسلط، طالما أن النموذج الثقافي هو كذلك. كما أنه لن يكون عجيبا أن يظهر قباني في العام ذاته الذي ظهرت فيه القصيدة الحرة والشاعرة الحرة والشاعر الحر، أي الخطاب المتحدي للنسقية والخارج عليها، والمهشم لعمود الفحولة. فظهور القباني هو الجواب النسقي على هذه الثورة في الخطاب الإبداعي. ولسوف نرى جوابا أشد فداحة من صنيع قباني.

 

من كتاب النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية – عبد الله الغذَّامي

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail