العالم كما يراه هاروكي موراكامي

في عالم هاروكي موراكامي، تهبط الأسماك من السماء بالقرب من محطة قطارات في طوكيو ، آبار في فناء خلفي تؤدي إلى حوادث عنف شخصية وسياسية، ضفدع عملاق يشرح لرجل اعمال كيفية انقاذ طوكيو من زلزال كبير مقبل. في أعمال موراكامي، يختلط المعقول باللامعقول، لكنهما لا يقدمان حلولا في عالم متجه الى الفوضى.

يستشهد موراكامي بفرانز كافكا كواحد من كبار الكتاب الذين أثروا في كتاباته، لكنه يضيف دفئا خاصا الى برودة كافكا، دفئا يتناغم مع الروح الجدية اليابانية.كما أنه ينتج رواياته التي تتوقع نهاية العالم من دون الخضوع إلى السخرية السهلة . في عالم موراكامي، يخف مقدار الفوضى باضافة قليل من التعاطف – تلك القيمة التي أصبحت عملة نادرة في القرن الواحد والعشرين. “لا شيء مؤكد” ، يقول تنغو بطل رواية موراكامي .”1Q84″. في عالم موراكامي، عدم اليقين هو العرف السائد. ولكن بمجرد قبول ذلك – كما تقترح رواياته- يمكن المزاوجة بين الحياة والحب.

يقدم موراكامي روايته عن بلده اليابان عن طريق استدعاء الثقافي الذي كان مهملا من قبل جيله “جيل الطفرة السكانية” . ذلك الجيل الذي عرض للعالم صورة اليابان كبلد تكنولوجي. في أسفاره العديدة، سمع موراكامي الكثير عن ثروة بلاده والتكنولوجيا ولكن لم يسمع شيئا عن ثقافته. ” كان جيلي متكبرا” ، يقول موراكامي. “كنا نؤمن بأن المستقبل سيكون أفضل دائما، ولكن هذا ليس صحيحا”.

في رواياته، يصور موراكامي اليابان أنها تعيش اليومي بتفاهة مميتة. في هذا السياق يشعر أبطال شخصيات موراكامي بالملل والكآبة، لكنهم سرعان ما يصطدمون مع حدث خارق يغير مجرى حياتهم مما يؤدي بهم إلى لقاءات مع قتامة قوى التاريخ، والجنس، والحرب. في احدى رواياته، بينما يقوم بطل الرواية العاطل عن العمل بطبخ السباغيتي، تختفي قطته فجأة، وتتركه زوجته، وينجذب الى واقع جديد فيه يندفع إلى مواجهة مجازر اليابان المروعة فى الصين.

فازت رواية موراكامي الاولى “اسمع صوت أغنية الريح” (1979) بجائزة Gunzo الأدبية اليابانية للكاتب الصاعد. روايته الخامسة “، الغابة النرويجية” (1987) حصدت مليوني قارئ في اليابان وأبرزت أسم موراكامي في الساحة الأدبية اليابانية. في تلك الفترة، لجأ موراكامي للانطواء حيث أنه تجنب وسائل الاعلام اليابانية والاوساط الادبية — جزئيا ، كما يقول الآن ، لأن النقاد اليابانيين هاجموه لأنه كتب “أكثر الكتب مبيعا” وهي اشارة الى أنه يراعي اهتمامات العامة أكثر من القيمة الفنية. أشار النقاد أيضا – ومنهم حامل جائزة نوبل للأدب “كنزابورو أو”- أن موراكامي متأثر بالثقافة الأمريكية وأنه لا يقدم رؤية مثقفة لمستقبل اليابان.

يقول موراكامي أنه ترك اليابان باتجاه أوروبا وأمريكا لأنه أراد أن يكتب “شيئا عالميا”، شيئا عن الدونية التي يعيشها العالم، الدونية التي قال أنه يعاني منها بشكل شخصي منذ أن بلغ من العمر عشرين عاما. الجذور الشخصية لإحساس موراكامي بالاختلاف ترجع الى حقبة الستينيات عندما تحول جيله الى رجال أعمال يبحثون عن سهولة الحياة اليومية.يتحدث موراكامي عن تلك المرحلة وعن الشعور باللاجدوى في روايته الجديدة “1Q84”, وهي رواية تدور أحداثها في عام ١٩٨٤، حول شخصيتين: كاتب و قاتلة محترفة. حيث يرمز الحرف Q الى الرقم ٩ والى النزعة التساؤلية في الرواية. يقول موراكامي “العالم يعيش في حالة فوضى، حالة معقدة حيث الإنترنت يمتلك كافة الإجابات، واقتصاد السوق محكوم بأسعار الأسهم واحتمالات صعودها وهبوطها، لذلك يشعر الإنسان بالحيرة. تكمن الإشكالية أنك حين تدخل في وضعية محددة ضمن هذا العالم، تطمئن الى أن هناك أحدا ما، معلما كان أم دكتاتورا، يملي عليك ما يجب فعله، لذلك عليك أن لا تفكر. عندما تدخل في تلك الدائرة “الوضعية”، فإنك لا تمتلك الخيار للخروج، فالباب خلفك موصد”

عالم موراكامي يتحدث عن الخروج من تلك الدوائر المغلقة. الدوائر التي تصنعها ثقافات وطرق تفكير ذات بنية قاهرة للفرد. يصف موراكامي العالم الروائي بالعبارات التالية: “من المستحيل وصف الحقيقة بشكلها الأصلي، نحن الروائيون نحاول اخراج الحقيقة من مخبئها، ولا يتم ذلك دون معرفة مكان تلك الحقيقة في دواخلنا، تلك المعرفة هي المهارة الأساسية لصنع أكاذيب جيدة، ومتقنة”

 

عن كريستيان سينس مونيتور
ترجمة :  لغو

 

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail