الجرف .. / باتي سميث

 

ترجمة / أحمد فاضل عن مجلة نيويوركر

 

كنت في العاشرة من عمري ، عشت مع عائلتي في منزل داخل احدى المزارع الصغيرة جنوب جيرسي الريفية ، غالبا ما كنت أرافق والدتي الى نيوجيرسي لشراء مواد البقالة من احدى محلاتها ، ولم يكن لدينا سيارة لذلك كان يتعين علينا المشي اليها ومساعدتها على حمل حقائب التسوق التي كانت والدتي تختار موادها بعناية كبيرة على عكس والدي الذي عوّد نفسه على الإضراب بالذهاب لمثل تلك المحلات لعدم معرفته بالكثير مما نحتاجه .

كانت احدى عاملات المحل تقوم بعرض ترويجي لإحدى الموسوعات العالمية مما لفتت نظري اليها ، في حين أن والدتي كانت ترنو بناظريها صوب أسعار المواد المعروضة داخل وحدات التخزين الخاصة بها والتي بدت متراصة مع تلك الغابة الخضراء من مواد الخضرة والفاكهة التي تفاوتت بأسعارها من 99 سنتا الى عشرة دولارات ، فكان كل ماكنت أفكر فيه ونحن نقوم بتمشيط ممرات الذرة والدهون والحليب الجاف داخل تلك الأسواق ذلك الكتاب الذي سيطر على كياني كله وعندما وقفت مع والدتي أمام محصلة النقود محبسة أنفاسي ، قامت والدتي بدفع اكثر المال الذي كان بحوزتها ولم يتبق منه سوى بضعة سنتات فيما رحت افكر بطريقة شجاعة للحصول على هذا الكتاب بالتضحية ببعض المواد التي اشتريناها ومنها البازلاء ، لكن والدتي قالت لي بصرامة :

– ليس الآن .. باتريشيا .. اليوم ليس مناسبا لشرائه !

لم أكن أفهم القلق المتصاعد من والدتي وتابعنا السير الى منزلنا وأنا أشعر بالإحباط .

حلّ علينا يوم السبت وقد اختارته والدتي كي أذهب الى تلك الأسواق ومعي دولار واحد لشراء اثنان من لترات الحليب وأرغفة من الخبز، هاتين المادتين كانتا تعادل ذلك المبلغ في عام 1957 ، وضعت المواد في عربة التسوق مع انني لم أكن بحاجة إليها ولكي أتمكن من قراءة الموسوعة اخذت أدفع بالعربة الى أعلى وأسفل الممرات استنفذت فيها الكثير من الوقت دون أن أشعر وكنت أعرف أنني في النهاية سوف اضطر الى المغادرة ولأنني لاأستطيع تحمل كلفته فقد وجدتني اضع الكتاب داخل قميصي المعمول محليا والمزين بالنقوش فضغطت عليه وأنا واثقة أنه لن يكون واضحا بسهولة سيما وأني طويلة القامة والكتاب يبدو نحيلا كالطفل .

عدت بالعربة أدفعها لعدة دقائق أخرى بين الممرات ثم قصدت المحصلة لأدفع لها دولاري الوحيد ، توقفت بسرعة وشعرت برأسي وقلبي وكأنهما قد نزعا مني للتو ، وشعرت فجأة بشيئ ثقيل يقع على كتفي كان رجلا لم أكن قد رأيت أخشن منه وطلب مني تسليمه ما سرقت قائلا :

– نحن نعرف أنك سرقت شيئا ..

انتابني الرعب وأنا أسحب الكتاب من تحت قميصي فيما الرجل يتطلع اليّ وصاح بي :

– هذا هو ما سرق ، الموسوعة ؟

قلت وأنا أرتجف من الخوف :

– نعم ..

قال :

– لماذا لم تسألي والداك ليشتروه لك ؟

قلت بتلعثم :

فعلت ذلك ، لم يكن لدينا المال الكافي لشرائه ..

– وهل تعرفين انه خطأ ؟

– نعم ..

هل تذهبين الى الكنيسة ؟

– نعم ، مرتين في الأسبوع ..

– حسنا ، سوف أذهب الى والديك لأخبرهما بما فعلت ؟

– لا ، من فضلك ..

– اعطني عنوانكم ؟

صمتُ برهة وقلت له بتوسل :

– لا ، من فضلك ، سوف اخبرهم أنا ..

– هل تقسمين ؟

– نعم ، نعم ، يا سيدي ..

عند وصولي الى المنزل واجهتني والدتي وهي تصيح بي بعصبية :

أين كنت ؟ نحن كنا بحاجة الى الخبز وليس السندويشات على ما أعتقد ؟

فجاة أحسست وكأن إعصارا بدأ يلفني مع شعوري برنين في أذني ودوار ، اتجهت والدتي اليّ على الفور وأجلستني على الأريكة ووضعت منشفة باردة على رأسي وجلست بجانبي كما كانت تفعل دائما معبرة عن قلق قائلة :

– باتريشيا ، هل حدث شيئ سيئ لك ؟

قلت بهمس :

– نعم ، سرقت ..

انتظرت بتوتر ما سيقع عليّ من وابل من العقاب اللفظي ، لأنها مخالفة صريحة ومع أنها أم جيدة لكنها يمكن أن تنفجر في مثل هذه المواقف كالقنبلة ، وحكمها يبدو دائما أقوى من الجريمة ، لكنها قالت انها لا شيئ واخبرتني انها ستذهب الى مسؤول تلك المحال واخباره انني اعترفت بتلك السرقة وأنني يجب أن اذهب الى النوم .

عندما استيقظت لاحقا كان المنزل صامتا ، وقد يكون قد اخذت والدتي أخوتي للعب في متنزه المدينة كعادتها ، ولاحظت وجود كيس من الورق البني عليه إسمي ، فتحت الكيس وإذا بالموسوعة العالمية التي حلمت بها كثيرا في داخله .

* باتي سميث مغنية وكاتبة أمريكية ولدت في 30 ديسمبر / كانون الأول 1946 بشيكاغو بمدينة إلينوي ، اشتهرت في بدايتها بالغناء ثم اتجهت لكتابة القصة واصدرت عدة مجاميع منها ، تنحو مؤخرا بكتابتها للقصة على القصة البوليسية متأثرة بذلك بالروائية الإنكليزية الشهيرة أجاثا كريستي

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail