أمتلك سرا / تشارلز سيميتش

 

 

 

 

 

 

ترجمة : أحمد فاضل
The New York Review Of Books

هنالك بعض الأسرار حول الطريقة التي يعمل بها الكُتاب والتي أخبرنا عنها فيما بعد اكثرهم أو أطلعنا عليها المقربون منهم ، ومنها الكتابة في السرير كما فعلها مارك توين ، جيمس جويس ، مارسيل بروست ، كابوتي ترومان ، والكثير من الكُتاب الآخرين أيضا مثل فلاديمير نابوكوف الذي أبقى بطاقات الكتابة تحت وسادته لأنه كان لايستطيع النوم ليلا ، والكثير من الأفكار كانت تدور في رأسه فيمد يده إلى تلك البطاقات ليدون عليها ماتقترحه المخيلة ، ومع أنني لم أسمع أن شاعرا كتب في الفراش قصيدة حب كالتي كتبها روبرت لويل وهو مستلقي على الأرض ، أو هكذا قرأت في مكان ما ، فقد فعلتها أنا كذلك أيضا في بعض الأحيان ، لكني أفضل أن يكون الفراش غيره الذي استعمله الكُتاب فقد تكون أريكة استرخي عليها طويلا أو أي مجموعة من الكراسي المريحة ، لكنه سرير المنام في النهاية حيث أخلو فيه مع أفكاري وأوراقي تشاركني فيه أيضا قططي وكلابي حيث ينضمون اليّ حتى في قيلولتي مع وسادة واحدة أضعها خلف ظهري فأنا لست من النوع الذي يجلس في السرير مع اثنين من الوسائد وفوضى من أوراق متشابكة وصفحات من مذكرات ومسودات قديمة وكتب ، هذا كله يعطي مظهرا لشخص غير مريح بشكل غير مصدق مع أن هناك في الغرفة طاولة صغيرة للكتابة غير التي تحمل جهاز الكمبيوتر الموضوعة فيها أيضا

مارك توين في السرير

 

كتب أندريه بريتون في واحدة من قصائده السوريالية يقول :

 

لقد كنت شابا

حين كتبت الشعر في السرير

هو مثل الحب

يتجمع كالأحلام ..

 

عندما قرأت هذا اعتقدت أنه كان مسحورا ، لكنه تحقق مع واقع تجربتي ايضا فهو يأتي أكثر رغبة وليس لي معه خيار سوى البقاء في وضع أفقي هناك في السرير ، الصمت والضجيج لايمنعاني منه وعندما أكون في أحد الفنادق استخدم ” عدم الإزعاج ” أضعها علامة على الباب حتى ألفت بها نظر خادمات التنظيف كي لايكونوا سببا في أي إحراج لي ، واخترت في كثير من الأحيان التخلي عن مشاهدة معالم المدن التي أزورها وحتى المتاحف كي أتمكن من البقاء في السرير للكتابة ، إنها نوعية غير مشروعة في نظر البعض مع أنها تبعث على الإرتياح بالقدر الذي يجعل المرء يشعر ان أحدا ما في هذا العالم يفعل شيئا قد لايوافق الجميع عليه ، وقد اعتبرها مغامرة مبدعة عندما أكون راقدا فيه .

 

في قصيدة جيمس تيت يمكن القول أنه أنجزها على سريره الوثير مع أنها كانت محاولة جريئة ومبدعة منه حيث اختار محاورة طريفة بين قرد وطبيب كان ينفذ تجربة علمية عليه :

 

لم تكن لديه الكثير من المتاعب

في تعليم القرد كتابة القصائد

هي محاولة

يخوضها أول مرة

علمه فيها

كيف يمسك القلم

في يده

ويضعه فوق الورقة

ربّت على كتفه

ثم انحنى هامسا في أذنه :

أنت تبدومثل إله

لماذا لاتحاول كتابة شيئ ما ؟

 

كانت عادة العمل في السرير بدايتها في طفولتي ومثل أي طفل آخر طبيعي يتمتع عادة بالعافية ، لكنه كثيرا ما كان يتظاهر بالمرض عندما لم يكن قد أنجز واجباته المدرسية فتأتي والدتي لتقيس حرارة جسمي بميزان الحرارة الذي كنت أعرف كيف أتعامل معه وأتلاعب به لينتج حرارة مرتفعة تكفي لترويعها وجعلها توافق على بقائي في السرير ، وعندما خرجت من غرفتي لبعض مشاغلها خارج البيت أنفقت بعضا من أسعد أوقاتي في قراءة كتبي المفضلة حتى عودتها الى المنزل ، والدتي تزوجت من ملحن صربي عام 1930. كان يؤلف مقطوعاته الموسيقية في حوض الإستحمام وكنا نحن الإثنان لا نسمع صراخها وهي تنادي على الواحد منا أن ينزل ويخرج القمامة الى الخارج .

 

في القرون الماضية وفي غرف غير مدفأة كان من المنطقي البقاء تحت الغطاء لمدة طويلة ولكن اليوم ومع وسائل الراحة الكثيرة لايمكن لشخص مثلي البقاء في كيس لمدة ساعات في الصيف ، أو يمكن أن أظل في الظل تحت شجرة ، والإستماع الى الطيور وهي تغني ، أو أجلس على شرفة تطل على البحر الأبيض المتوسط عند غروب الشمس ، كلها لن تمكنني من كتابة قصيدة واحدة ، وفي نيوهامبشاير حيث أعيش مع خمسة أشهر من الثلوج والطقس العاصف لاأجد خيارا لقتل الملل سوى البقاء في السرير لمزاولة الكتابة وقد تكون وجهتي المقبلة التي سأختارها هي المطبخ لأن الروائح المنبعثة من الطهي دائما ما تذكرني أن الشعر يشبه فن الطبخ ، فالخروج ببعض الأطباق غالبا ما تكون غير متوافقة على ما يبدو في معظم مكوناتها ، إلا إذا استخدمت فيها وصفات مجربة وحقيقية ، وكذا الشعر يحتاج هو أيضا الى مقبلات حتى يرضى به الكثير من متذوقيه .

 

تشارلز سيميتش مواليد 9 مايو / آيار 1938 شاعر وكاتب ومترجم نشر العديد من المجموعات الشعرية وستة كتب هي عبارة عن مقالات كان قد نشرها في صحف ومجلات أمريكية عديدة وسيرة واحدة مع ترجمات كثيرة ، حصل على العديد من الجوائز بما في ذلك جائزة البوليتزر المعروفة وجائزة غريفين ، في عام 2007 تم اختياره مستشارا للشعر في مكتبة الكونغرس الأمريكية .

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail