استعملت الصرصار لأتكلم عن وضع المغترب وعن الايمان الشخصي / راوي حاج

لايزال يحمل حزناً وفرحاً جمعه في ترحاله بين الوطن والغربة. حين تقرأ رواياته تغمرك الحماسة, والحزن والفرح في آن واحد, وفي احيان كثيرة تشعر أنك تسكن داخل رواياته وكأنه يتحدث عنك. هو راوي حاج الكندي من أصل لبناني. تُرجم له عن “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر” روايتان هما “مصائر الغبار”, و”الصرصار”. روايته الأولى “لعبة دنيرو” حازت على جوائز مرموقة في العام 2006, منها جائزة Hugh MacLennan للرواية, وجائزة McAuslan First Book Prize عن النوع الأدبي. كما رُشحت بين روايات قليلة لجائزة ScotiaBank Giller في العام 2006 وجائزة Governer’s General Award في العام 2006, اضافة الى جائزة Rogers Writers Trust Fiction في العام 2007 وجائزة Canada Commonwealth Writers Prize Caribbean: and The Best First book في العام 2007 أيضاً. ها هو يعود الى أحضان بيروت ليروي حكايته مع “الصرصار” وأشجان اخرى.
راوي حاج اسم على مسمى, كم تحمل نصيباً من اسمك?
هذا الأمر جاء بمحض الصدفة, فأنا لم اخطط لأن اكون روائياً, كان هناك معرض لفنانين عرب في كندا حينها طَلبت مني المُنَظِمة أن اكتب شيئاً عن المعرض, فكتبت قصصاً قصيرة للكاتالوج الخاص بالمعرض, وبعد أن اطلعت على كتاباتي نصحتني بأن اكتب, وبدأت فعلاً بعدها بالكتابة. رواياتي تبدأ بمشهد اتخيله, ولا اعرف بعدها الى اين يأخذني هذا المشهد فأنا لا اكتب ضمن خطة معينة.
روايتك تكتب باللغة الانكليزية, ثم تترجم الى العربية. لم هذه القطيعة مع اللغة العربية?
لم يكن هذا الأمر متعمداً لكن لكوني تركت لبنان منذ كان عمري 18 عاماً, وانقطعت عن الجالية العربية في الغربة, وحينما وصلت الى نيويورك لم أجد هناك كتب باللغة العربية, ولا حتى بالفرنسية وهي لغتي الثانية, وبعد ذلك ذهبت الى كندا وعشت هناك وهذا الأمر ساهم في اضعاف لغتي العربية. هكذا شاءت ظروفي.
هل يتم اعطاء الرواية حقها بعدما تترجم الى العربية وهل تكون راضياً عنها?
رغم الترجمة الجيدة جداً للرواية, لكن بالتأكيد يبقى هناك شيء مفقود في اللغة الانكليزيه هناك موسيقى مختلفة.
الجوائز التي حصدتها روايتك, هل كنت ستحصل عليها لو كتبت بالعربية?
لا اعتقد ذلك.
لكن من قرأوا رواياتك باللغة العربية, استمتعوا بها?
هذا أمر يسعدني كثيراً.
فكرة الشخصية الاساسية في رواية “الصرصار” غريبة ومجنونة ومتناقضة وتحمل الكثير من الخيال, لماذا اخترت الصرصار ليتقمص البطل شخصيته?
الصرصار مثل شخصيتي لا حدود له. هو كحشرة لديه جوانج, ولا يستطيع أن يطير ويبقى على الأرض, هذا التناقض جعلني اختار الصرصار شخصية اساسية في روايتي. رأيت صرصاراً مرة يمشي على الأرض ففكرت لماذا لا اخترع شخصية مبنية على الصرصار. وهو الذي يدخل الى البيوت دون استئذان, اخترعت شخصية لا تؤمن بأي حدود, واستعملته لأتكلم عن وضع المغترب وعن الايمان الشخصي وعن امور كثيرة أخرى.
نص صرصار ونصف انسان وبطل روايتك من دون اسم, لم كل هذه الغرابة?
ليس مهما أن يكون لبطل الرواية اسم, انا مع التناقضات, تنقصنا التناقضات في حياتنا التي تحمل الكثير من الحرية وتكسر الروتين, المتحفظون يخافون من التناقضات, انا ضد هذا الامر فلا اخاف من التناقضات ولا من عدم الالتزام.
تقول في بداية روايتك: “كنت أتساءل دائماً عن حاجتي الى الغواية والاستحواذ على كل أنثى أصادفها” من يمثل هذا الشخص المجهول المتعطش للأنثى?
اعتقد انه الشاب العربي الذي لديه طريقة خاصة في تعاطيه مع المرأة, المرأة كان لها دور اساسي في “الصرصار” حيث نجد في أحداث الرواية كيف تعامل بطلها مع اكثر من امرأة, امه, اخته, الطبيبة, وحبيبته, جارته. وكانت علاقته بهن خاصة جداً.
كل هذه الفكاهة وكل هذا الحزن والالم الذي يلف “الصرصار” كيف نجحت بالجمع بين المتناقضين?
لان هذه هي شخصيتي في الحقيقة, لدي حزن وفرح في نفس الوقت, وهذا الأمر انعكس على “الصرصار” روايتي الثالثة اخذتُ فيها منهج الفكاهة ايضاً, لا استطيع أن اخرج من الحزن فأنا شرقي.
لماذا ركزت على الجالية الايرانية في “الصرصار”?
هذا القمع يطبق على الجالية السورية والعراقية ايضاً وليس فقط الايرانيين انا لست كاتبا عنصرياً ولا احسب على جالية معينة, اخترت الجالية الايرانية بسبب معرفتي باشخاص ايرانيين مروا باجواء الثورة وهربوا من النظام الحالي, تعرفت عليهم حينما درست الفن التشكيلي لم يكن هناك اي عربي لكن كان هناك عشرة ايرانيين مهتمين بالفن والشعر, تقربت منهم وكتبت عنهم. الثورة الايرانية لم تنحصر في ايران هي اثرت علينا جميعاً وكان لها صدى في جميع العالم العربي. نحن جميعاً تأثرنا بالثورة الايرانية سواء شئنا ام ابينا.
بطل الصرصار يتلقى علاجا نفسياً, هل يحتاج الانسان العربي الى طب نفسي ليتعافى من الازمات التي مر بها?
من دون شك. الانسان العربي يحتاج الى علاج نفسي. اذا اطلعنا على التاريخ المسيحي للغرب فسوف نرى أن الاعتراف امر مهم, وعندما تحجمت المسيحية, انتقلت فكرة الاعتراف من المسيحية الى السايكولوجي, وهي مبنية على الاعتراف, وكأن هذه الحاجة للاعتراف تحولت الى امر طبي. قصة الاعتراف بالنسبة لنا كعرب غير مستحبة, فالعربي لا يحس بالامان حين يعترف, وحين يفعل ذلك يشعر بأنه مذنب. بينما في الغرب الاعتراف مرحلة للراحة والتسامح. شخصيتي لا هي غربية ولا هي عربية بل لها عالمها الثالث.
كثيرون ممن قرأوا الصرصار تصورا انفسهم ابطال هذه الرواية الى اي مدى كانت شخصياتك قريبة الى الواقع?
هي اما شخصيات من اختراعي, او شخصيات صادفتها فعلاً, فمثلا شخصية الطبيب الذي يحاول أن يظهر بصورة الشخص البرجوازي كنت اصادفه في مقهى فقررت أن اجعله من شخصيات روايتي. انا اعتمد على خيالي في خلق شخصياتي في اغلب الاوقات. الابداع عندي اهم من نقل الحقيقة.
الى ماذا يحتاج الروائي ليغني مسيرته الابداعية?
ليس لدي جواب على هذا السؤال, بالنسبة لي فوجئت بأنني اصبحت روائياً الكتابة امر خاص جدا ومتنوع انا ضد فكرة أن تُعَلم الجامعات الطلاب كيف يكونون كتاباً فالكاتب حينما يكتب يكون جامعاً لامور عدة عاشها بالاضافة الى خياله.
حياة الغربة التي عشتها كيف اثرت في نصك الروائي?
اثرت كثيرا. الغربة بالنسبة لي كانت أقسى من الحرب, فشكلت صدمة لي, وتغييراً كاملاً في مسار حياتي, تخلصت من خلالها من الكثير من الاشياء. انعزلت عن بيئتي الاصلية وتعرفت على اشخاص كثر غيروني.
هل ولد راوي الحاج من جديد حينما غادر لبنان?
ليس كلياً, مازالت شرقياً لبنانياً لكن اصبحت لدي قناعات متضادة.
بمن تتأثر حينما تكتب?
انا اعيش على سطح الحياة ارى الحياة كصور, حينما اكتب انعزل عن العالم, لا اعلم من اين تأتي افكاري. في داخلي شخصان لا يلتقيان. لا احب المقابلات الصحفية لانني لا اعطي حق ما اكتب حينما اجري حواراً صحافيا.
ما اقرب رواياتك الى نفسك?
روايتي الاولى غيرت حياتي, “لعبة دنيرو” من خلالها اكتشفت طاقة في داخلي لم اكن اعلم بها, لدي امتنان لها. لكن “الصرصار” كعمل ادبي فيه نضوج اكثر.
عن ماذا تتحدث روايتك الجديدة?
لدي مشكلة في وصف روايتي, لكن ما استطيع قوله أنها تحمل كماً كبيراً من الفكاهة. بطل الرواية سائق تكسي.وهي مبنية على فكرة الفوضى وهاجس الحركة بشكل فلسفي. تدور احداثها في بلدة صغيرة فيها كرنفالات, وهناك صور كثيرة من هذه الاحتفالات. كما انها تحمل الكثير من الوجوه العابرة والفوضى. الرواية فيها الفكاهة وبعض الحزن وفيها الكثير من الصور, احسست انني كنت ارسم حينما كتبتها.
انت الان كاتب عالمي وحصلت على عدد من الجوائز ما شعورك حيال ذلك?
هذا امر يسعدني كثيراً, لكن في العالم العربي, لم اتلق اي اهتمام, لا يوجد تقدير للمبدعين في العالم العربي. الانظمة العربية ترى المبدعين اعداء فقاموا باضطهادهم ومراقبتهم وكثير منهم تم تهجيرهم. ومن بقي يعيش في حذر. الفنان لا يستطيع ان يعيش حذرا لان ذلك يقتل ابداعه.
هل العالمية تحملك مسؤولية حينما تكتب?
حين اكتب لا اخاف لانني لا افكر في احد ولا برأي احد لانني اعتبر أن الكتابة امر خاص.
لمن تقرأ?
قرأت لبعض الكتاب العرب مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف, لكنني قرأت لكل الكُتاب الروس, كما قرأت الأدب الفرنسي, والأميركي, والافريقي الأميركي بالاضافة الى الشعر العربي الذي قرأته منذ طفولتي واثر في كثيراً رغم انني نسيت الكثير منه, واعتقد أن هذا ما ميز كتاباتي حينما كتبت باللغة الانكليزية.

 

عن السياسة الكويتية

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail