سلمان رشدي أو “جوزيف أنطون” – الفضاء السردي المتغير

J antonبعد الحكم عليه بالإعدام من طرف الخميني تغيّرت حياة رشدي رأسا على عقب وهي نقطة إنطلاق كتابه ‘جوزيف انطون’ الذي يحكي فيه كابوس حياته في المملكة المتّحدة، حيث كان يعيش تحت عيون حراسة مشدّدة، ومتنقلا من منزل إلى آخر

صدرمؤخّرا باللغة الإسبانية كتاب سلمان رشدي الأخير’جوزيف أنطون'(ترجمة كارلوس مييّا سولير وهو يقع في 686 صفحة). وخلال ندوة صحافية أقيمت بمدريد بهذه المناسبة قدّم المؤلف هذا الكتاب الذي جاء على شكل مذكرات ..مذكرات العار والفرار، المرويّة من وراء قناع مستعارعن السنوات الإثنتي عشرة التي قضاّها، هاربا، متخفّيا .
زعم رشدي في مستهلّ حديثه انّ كلّ ماجاء في هذا المؤلّف هو واقعي، كما قال انّ الإسم المستعار الذي وضعه عنوانا لكتابه هو حقيقي كذلك، إذ هو الإسم الذي إستعمله خلال تسع سنوات وهو يرمز به إلى إسمي ‘جوزيف كونراد’ و’أنطون تشيخوف’. وأضاف: ‘أن الجانب الظاهر من القصّة قد تعرّضت له الصحف والجرائد إلا أنه لا أحد يعرف الجانب الشخصي لهذه القصّة، أي كيف أمكنه أن يعيش هذه المرحلة الصّعبة من عمره’.؟ الكتاب – كما يزعم- ينطلق من معايشاته الحميمية، يحكي عن صحّته، وحياته، وعلاقته بأسرته ،ثم ينتقل فيما بعد إلى فضاء سردي أوسع عندما تطلب منه وزارة الخارجية البريطانية تقديم إعتذار عمّا يسمّى ب ‘آيات شيطانية’، وتبلغه الشرطة أنه الّرجل الأكثر تعرّضا للخطر في البلاد بعد الملكة، كما حكي كيف أن بعض دور النشر البريطانية كانت قد رفضت نشر كتابه.
يشير الكاتب الإسباني ‘طوماسّو كوش’ بجريدة ‘الباييس’ الإسبانية المنصرم حول هذا الموضوع : ‘أنه بعد الحكم عليه بالإعدام من طرف الخميني تغيّرت حياة رشدي رأسا على عقب وهي نقطة إنطلاق كتابه ‘جوزيف انطون’ الذي يحكي فيه كابوس حياته في المملكة المتّحدة، حيث كان يعيش تحت عيون حراسة مشدّدة، ومتنقلا من منزل إلى آخر’. لقد عانى العديد من المشاكل مع إسم ‘جوزيف أنطون، وإنتظر كثيرا حتى يكتب هذا الكتاب’، وتفادى أن يتمّ ذلك في وقت كانت الإنفعالات فيه لمّا تزل في أوجها، كما كان يتمنّى أن ينتهي كل شئ لينعم بالسلام’.
سيف ديموقليس
يقول الكاتب الإسباني أن جوزيف انطون يحكي مأساة سيف ديموقليس العائدة لرشدي الذي كان يهزأ منه ويضحك عليه، إنّه يتذكّربعض الفصول الاكثر سوريالية لتلك السنوات التسع بعد محاولة فاشلة لإغتياله، كما تطرّق للتهديدات التي تلقتها دار النشر ‘بينغوين’ عندما نشرت كتابه ‘آيات شيطانية’. وقال إن مدير هذه الدارأطلق عليه في البداية لأسباب أمنية عنوانا غريبا ومتداخلا من أسماء بعض الطيورالقطبية والحمام والزقزاق المذهّب، ويقول الكاتب ‘انّ رشدي عندما بدأ الكتابة لم يتمالك نفسه ولم يتردّد من استعمال ضمير الغائب فالإنسان في منظوره يمكنه أن يكون منتقدا لذاته حتى ولو استعمل صيغة الغائب (هو) بدلا من أن يستعمل صيغة المتكلم (أنا)’. ويقول انّ رشدي هو الذي يكتب وهو مؤلف في الخامسة والستين من عمره ولديه تجارب في الكتابة، بينما الشخصية التي تقمّصت دوره أو سكنته فعمرها ربع قرن أو ربما أقل من عمر رشدي وهو حديث العهد بإستشعار العاصفة التي كانت تعصف به’.
إدّعى رشدي: ‘أنّه آخر كتاب يتحدّث فيه عن نفسه، فهو لا تروقه السير الذاتية، كما زعم انه بشكل مباغت أصبحت حياته ذات أهمية وهو يومئ بذلك الى ملايين الدولارات تعود لمن يقتله ،وبسبب هذا التهديد فقد هلك كثيرون، منهم مترجمه الياباني الذي تمّ إغتياله،ومترجمه الإيطالي الذي تعرض لضرب مبرح،وناشره النرويجي الذي إستقرّت في جسده ثلاث رصاصات’.
ويشير الكاتب الإسباني ‘انّ العديد من الكتّاب تعرّضوا للهجوم او قتلوا بسبب هذه العقلية التي تعود للعصور الوسطى وكان يبدو ذلك وكأنّها ظاهرة من ظواهر محاكم التفتيش، ومنذ ذلك الوقت رأينا كيف صارت تتطوّر وتتنامى هذه السياسات المتطرّفة’
الإسلام والغرب
قال رشدي خلال هذه الندوة كذلك: ‘انه رأى مؤخّرا بعض الفيديوهات الركيكة حول الاسلام التي أفضت كذلك إلى القتل والهجوم على سفارات الولايات المتحدة الامريكية في عشرين بلدا. وفي محاولة منه على ما يبدو – لمحو عقدة الذنب أو إستذرار عطف المسلمين الذي تطاول على دينهم بدون وجه حقّ ـ إنتقد رشدي الفيلم المسيء للإسلام ،كما إنتقد عواقبه وقال: ‘إن الفيديو الذي قدّم في يوتوب سيّئ للغاية ورديء، فهو يتضمّن العديد من الأشياء التي من شأنها ان تجعل أيّا كان يشعر أن السبّاب موجّه إليه، وأنّ القيام بمثل هذا هو أمر خاطئ وسخيف’. كما زعم: ‘ أنّ العالم الإسلامي يبدو وكأنّه أصبح مقتنعا بأن هناك مؤامرة تحاك ضدّه من طرف قادة الغرب لتدميره، وهو يرى هذا الغرب وكأنه عدوّ له’. وقال: ‘ان قضيته قد أصبحت تنتمي للماضي وهو الآن لم يعد قلقا كما كان عليه من قبل’.
جحيم رشدي

“لقد عشت 11 سنة في جحيم من الظلمات الذي انقذني منها كوني ‘كاتبا ‘ لانّ الكتّاب معتادون على العزلة، معتادون على الجلوس طويلا، ولهذا فقد أمكنني كتابة 6 كتب خلال هذه المدّة”

ونشرت صحيفة ‘أ.ب.ثي’ الإسبانية من جهتها كذلك بنفس المناسبة إستجوابا مطوّلا تحت عنوان ‘هكذا كان جحيم سلمان رشدي’ للصحافي الإسباني ‘أنطونيو أستورغا’، ونوجز فيما يلي أبرز ما جاء في هذا الاستجواب:
– هل تشعر انك تعيش حياة عادية ،كيف عوملت خلال 11 سنة في ملجئك تحت حماية السكوتلانديار؟ ‘ كان هناك حارس خاص، وسائق مغضوب عليه طرد من سلك الشرطة بتهمة الإختلاس. وكانت علاقتي بالشرطة حسنة جدا.
– كيف كانت علاقتك مع ضبّاط الشرطة؟
‘ كانوا يرونني كعنصر مزعج، وكانوا يقولون انّ جميع الذين تولّوا حراستهم قدّموا خدمات للدولة الامر الذي لا ينطبق عليّ.
‘ ألا تشعر بالمرارة ما هي المشاعر السلبية الناتجة عن كتابتك ‘جوزيف انطون’ ؟
‘ كثيرون أرادوا قتلي ولم يمسكوا بأحد ممّن كانوا يهدّدونني، كان الناس يقولون انهم لو ظفروا بي لقتلوني، إنهم يقولون ذلك في كل مكان في المساجد أيام الجمع، وخلال مظاهرات رفعت فيها لافتات نظمت ضدي، لو كان هذا قد حدث ضد ملكة أنكلترا (كذا) لألقي القبض على هؤلاء واقتيدوا إلى المحاكم، كنت اشعر بنوع من الغيظ من ذلك ولكنني اليوم أوثر حياة هادئة.
‘ كيف ترى التطرّف الإسلامي اليوم ؟
‘ التطرّف الإسلامي الحالي يمكن مقارنته بالكاثوليكية المتطرّفة التي كانت منذ مائتين أو ثلاثمائة سنة، فقد تكون هناك صلة لذلك بمحاكم التفتيش الإسبانية.
‘ هل أراد أصدقاؤك حقا تكوين خاتم من حديد حولك للدفاع عنك بعد تهديدك بالقتل؟
‘ إذا حللنا التاريخ لوجدنا أن الكتب التي توبعت لم تكن دفاعا عن الحرية بقدر ما كانت دفاعا عن نصوص تلك الحرية.
‘ وماذا عن تشيخوف وكونراد؟
‘ عندما وضعت هذا الكتاب كنت من جهة جوزيف (كونراد) ومن جهة أخرى كنت أنطون (تشيخوف) ككاتب أنا لا اشبه أحدا منهما، انا معجب بهما إلا أنني لست مثلهما، لقد أصبحت حياتي تشبه كتبهما، إنني أبدو كما لو كنت خرجت من أعمال العملاء السريّين لـ(كونراد) و’ الأخوات الثلاث ‘ لتشيخوف، هذان العالمان المتباينان قد انصهرا فيما بينهما وتفتّق عنهما هذا العالم الذي أصبحت أعيش فيه .
‘ ما تحكيه هو نوع من جحيم الظلمات هل عشت ذلك حقا ؟
‘ لقد عشت 11 سنة في جحيم من الظلمات الذي انقذني منها كوني ‘كاتبا ‘ لانّ الكتّاب معتادون على العزلة، معتادون على الجلوس طويلا، ولهذا فقد أمكنني كتابة 6 كتب خلال هذه المدّة.
العيش وسط الكابوس
‘ هل كرهت’ آيات شيطانية ؟
‘ لا بل إنني فخور بهذا المؤلّف، فلو قرأ الناس الكتاب بحياد فإنه لا يبدو كتابا ينتقد الإسلام (وهنا يتناقض رشدي حيث يقول من جهة ان الكتاب لا يتعرّض للإسلام، ثم يعود فيقول انّ الجزء الذي يتعرّض للإسلام ليس فيه إيذاء ولا ضرر) .
‘ لماذا إذن يكره المسلمون كتابك’ آيات شيطانية’ ؟
‘ إنهم لم يقرأوه، بل إنهم أساؤوا فهمه.
‘ تقول في كتابك انّ والديك لم يلقّناك التديّن، و لم يعيراك أيّ اهتمام بالدّين؟
‘ أجل وهذا ما أفعله مع نفسي ونقلت ذلك إلى أولادي كذلك بل إنّهم أكثر نأيا منّي عن الدّين.
‘ كيف كانت حياتك منذ ان حكم الخميني عليك؟
‘ كانت مصيبة عظمى ولقد أّثّر ذلك علي مسار حياتي اليومية، وعلى طريقة تربية اولادي، هكذا عشت وسط هذا الكابوس في حالة من الاستثناء .
‘ خلال هذه المدّة ربحت صداقات وكسبت أخرى؟
‘ لقد انتقدتني صحافة الإثارة ولكن كثيرا من الكتّاب تعاطفوا معي حتى في العالم الإسلامي .
‘ إبتداء من الآن هل ولد رشدي من جديد؟
‘ إبتداء من الآن أصبح لديّ حياة عادية.

 

عن القدس العربي
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail