ثلاث أقصوصات / جمال القواسمي

حكمة

في عالم كله أذكياء، ستكون محظوظاً لو اشتريتَ قليلاً من الغباء بأثمن ما لديك ولو كان أمك أو اباك، لأنهما سيكونان ذكيين لدرجة انهما سيبيعانك لأتفه رأسمالي ذكي في سوق النخاسة قبل أن تفكر ببيعهما!!!
هذا ما اقترفه حكيم ذات يوم: فكَّر؛ فانتهت مدة حكمته ثم صلاحيته ثم محكوميته ثم حياته ثم فترة عدته ثم فترة عذابه في جهنم وهو الآن على اعتاب الجنة.
– ماذا تريد!؟
– الدخول.
– الستَ الغبي الذي باع أمه وأباه؟
– نعم، لكنني كنتُ ذكياً آنئذ وربحتُ في البيعة!؟
ضحك رضوان ساخراً: كيف ربحت؟
– ربحتُ الحِكمة!!
– وما الحكمة!؟
– الحِكمة مثل الخطيئة لها مدة صلاحية، يا رضوان يا حبيبي!!
– ادخل يا حكيم، ادخلْ، الله يرضى عليك؛ الناس جوعانة لأي كلام!!

28-8-2012

وصية

انتظر الشيخُ الزبائن ذلك اليوم. انتظرهم بفارغ الصبر. في نهاية الليلة الفائتة، بعد نهاية حلقة الحضرة، أخذ شيخه منه الدفَّ وقال له: بلغ شوقك تمامه؛ لم يعد بوسعك الوقوف أيها الحبيب، فتخفَّفْ وأمنح موسيقاك لعازفها. سيأتيك مشترون غداً، فبعهم جميعاً ما أرادوا، بِعْ كلَّ ما لديك، أمضِ في سبيلك!!
في تلك الحانوت الصغيرة، المُطرَّزة بأكياس الزنجبيل وورق الغار والزعتر والدُّقة والعصفر والهيل والحلقوم والزبيب والقطين، أخيراً وقف شاري أكتع أمام البائع الشيخ. كان الشاري الوحيد الذي وقف أمام البائع الشيخ. وقف الشيخ، مشى متئداً، فتح كيساً ورقياً، استعداداً للبيع؛ سأل الشيخُ المشتريَ: زعفراناً؟ زهورات؟ ثم خانه صوته المتعب فأشار بيده نحو الينسون، البابونج، الكمون، العسل، قرفة، السماق، أو الزنجبيل!؟
هزَّ المشتري رأسه نافياً وأشار إلى دفٍّ معلَّقٍ على حائط الحانوت. قال البائع الشيخ: الدُّف ليس للبيع.
قال الأكتع: إنَّه كلُّ ما أريد.
قال البائع الشيخ: إنَّه كلُّ ما لديّ.
ثم ابتسم الشيخ، فقد تذكر وصية شيخه، وناوله الدفَّ الذي بلا صنجات. قال له: أتعلم ماذا تصنع بالدف؟
قال الأكتع: دُلَّني!!
قال البائعُ: خذه بلا مقابل. تذكَّرْ، نار شمعة صغيرة تكفي لشدِّه.
أغلق دكانه، لم تحمله قدماه، ومضى في سبيله.

14-9-2012

ثور

المريض الذي خرج من غرفة العمليات مازحه الجراح محاولاً إيقاظه من التخدير، قائلاً له ان جسده أدمن على المخدِّر والحشيش، وطمأنه بأنَّ عمليته الجراحية تكللت بالنجاح، وان عملية القسطرة أظهرت ان القلب يعمل بكفاءة، لكن ثمة انسدادات في الشرايين واحد الصمامات، وهمس في أذنه: هلوستَ بما فيه الكفاية، فما قصة موزة الضأن!؟ لكن، لا تقلق، سأطمئن زوجاتك، وبعد ساعتين ستخرج من المستشفى كالثور، فلا تُبق ِ ولا تذر. وسوف أحوِّلك إلى غرفة الانعاش ثم قسم الباطني لترعاك الممرضات اللطيفات، أسمعتني!؟ لترعاك.. هههه!!
حاول أن يشكر الجراح، لكنه وجد انه لم يكن بوسعه إلا أن يخور خوراً أليماً. توقَّع المريض ان تستقبله الممرضات اللطيفات على البساط الأحمر. لكن في الرواق انتظرته قبيلته صغاراً وكباراً، وبدا له انهم يحملون اكياس اللحم الأحمر والتفاح الأحمر والبندورة الحمراء والرايات الحمراء وأنصاف بطيخات على السكين، وفي منتصف الرواق بينهم رأى ثمة شارة ضوئية بثلاث عيون كانت جميعها حمراء، أليستْ الشارة الضوئية زوجاته الثلاث وهن يرتدين قمصان نوم البيبي-دول الحمر!؟ أهولاء هم لجنة استقبال الشرف!؟ واين المدفعية!؟ لم يرَ بساطاً أحمر أبداً. وسرعان ما اكتشف ان في انتظاره احدى وعشرين إبرة، أيضاً. وتفاجأ انه ما يزال غير قادر على التحدث مع أهله، ورفض ما جلبوه له من حشيش وبرسيم وقش لذيذ وهجم على الورود والقرنفل والزنبق يمضغ حيناً ويحشُّ أحياناً وهو لا يزال يخور خوراً أليماً…

18-10-2012

J Qawasmi

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail