سارتر والشعر / ماريو فارغاس يوسا

كان سارتر يحرض قراءه ضد الفكاهة، يجعلهم يعتقدون أن الضحك ممنوع في الأدب الحقيقي. لم يقل ذلك يوما، لكنه لم يكن بحاجة ليقول ذلك: قصصه، مسرحياته، رواياته كانت جادة أخلاقيا. كان سارتر أيضا يحرض مريديه على عدم المبالاة بالشعر، الشعر الذي لم يكن سارتر يحبه ولا يفهمه. هذا شيء اكتشفته عندما كنت يوما ما تحت تأثيره، عندما اكتشفت عند قراءتي مقالاته عن بودلير أو الشعر الأسود، كان يقتبس الشعر كأنه نثر. كان يأخذ بالمفاهيم العقلانية المعبر عنها في الشعر.

عدم فهم سارتر للشعر كان يعني عدم تعامله مع السوريالية بشكل عادل. كان يرى السوريالية كتعبير حاد عن البورجوازية الهدامة. وكان يزدري تأثير الحركة السوريالية على الفن والحساسية الفنية. وقد تكون أكثر صفات سارتر تحديدا في هذا الشأن، أن رواية سارتر تفتقد الى الغموض. كل شيء في رواياته يخضع لإمبراطورية (وفي حالة سارتر دكتاتورية) العقل.

ليس هناك فن دون قدر من اللاعقل، لأن الفن العظيم يعبر عن الخبرة الإنسانية، التي يلعب فيها الحدس، الوسواس، الجنون، والوهم أدوارا مهمة تماما كما الأفكار. في أعمال سارتر، يبدو أن الإنسان مصنوع من الأفكار وحدها. كل صفة في شخصيات رواياته، ومن ضمنها الشغف، هي ظاهرة اضافية للإدراك البشري. لأن ذكاء سارتر كان خارقا، لدرجة أنه كان يقارن بماكينة مفكرة. كان قادرا على الكتابة من منطلق الأفكار وحدها، كتابة حكايات ومسرحيات كانت تمتلك جاذبية عالية بسبب سطوة الفكر والعقل.

في روايات سارتر، الأفكار تلتهم الحياة، تفصل الأجساد عن الشخصيات، ويبدو العالم كذريعة لصناعة الأفكار. لذلك، وبالرغم من مشاركته الفاعلة في المشهد الإنساني ومشاكل عصره، والتي عبر عنها بنظريته في الالتزام، فإن رواياته ومسرحه يبدوان الآن غير حقيقيين.

 

ماريو فارغاس يوسا: روائي بيروفي حاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2010

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail