الذاكرة المتسلطة وشمولية الفكر الديني

من كتاب سوسيولوجيا الدين. دانيال هرفيه ليجيه وجان بول ويلام. ترجمه عن الفرنسية: درويش الحلوجي 2005

Sociology and Religion Laghooعلى الرغم من أن كل الأشياء تبدو نسبية وتعتمد على التوقعات والتحديدات المتغيرة في الزمان، إلا أن الحقائق الدينية تقدم على أساس أنها حقائق نهائية ثابتة لا تتغير. على الذاكرة الدينية أن تكون جذابة حتى يمكنها أن تشيد الطابع المطلق للإفتراضات التي تقدمها إلى من يؤمنون بها.

تفرض الذاكرة الدينية نفسها على أساس أنها الذاكرة الوحيدة المصرح بها (الذاكرة الحقيقية) وذلك بتمثلها لبقايا الذاكرات القديمة، وكذلك بمواجهة، وعند الإقتضاء، بالإندماج مع المعتقدات الجديدة القادرة على أن تتشكل في ذاكرة جاذبة. بمجرد أن تترسخ هيمنتها، تعمل هذه الذاكرة على الحفاظ على هذه الهيمنة وذلك بإعطائها شكلا ثابتا ومتصلبا أكثر فأكثر للمعتقدات والشعائر التي تنظمها، وفي الوقت نفسه تستبعد كل التعبيرات الدينية التي لا تنخرط في الإطار الذي تحدده.

في مواجهة الخبرات الجديدة التي يمكن أن تطرح للتساؤل حالة البداهة التي يخلعها المجتمع على هذه المعتقدات وهذه الطقوس والشعائر، تصبح الذاكرة التي تم تثبيتها ذاكرة محاصرة في وضع دفاعي. تحاصر هذه الذاكرة وتعزل متقاطعة دائما بشكل أكثر عمقا مع الذاكرات الإجتماعية الأخرى التي تتكيف باستمرار مع المعطيات الجديدة للمجتمع. يزداد الشرخ إذن بشكل نهائي بين أفكار وأنماط سلوك وأفعال البشر المعاصرين وبين المضامين الدينية كلما كانت هذه المضامين المنقولة أقل تجانسا مع الواقع الحالي لفكر وحياة الجماعات التي تسعى إلى الهيمنة، وكلما ازدادت النزعة نحو الصياغة الدوغمائية.

تأخذ عملية التحجر والجمود المذهبي والطقوسي بالتالي دورة جمعية: إن تصلب وجمود الفكر الديني الذي يمثل الأداة والوسيلة التي يدافع بها هذا الدين عن نفسه في مواجهة التأثر أو الإصابة بذاكرات منبثقة أخرى، يجعله بشكل متزايد أكثر فأكثر أقل استعدادا لأن يأخذ في الإعتبار التطورات الثقافية والإجتماعية التي تواجهه.

حتى يواجه التهديد المتزايد الذي يمثله الظهور المستمر للإحتياجات الروحية الجديدة، يدعم الفكر الديني طموحه المتسلط نحو احتواء كل الذاكرات الأخرى أو نحو تدميرها، وذلك على حساب تسلطية أكثر اندفاعا دائما. إن الذاكرة الدينية من حيث الجوهر هي ذاكرة أكثر شمولية دائما وبالتالي فهي أكثر إثارة للنزاع والصراع باستمرار.

 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail