الكتابة العربية ومسؤولية النقد / نجيب محفوظ

Naguib Mahfouz - Naguib Mahfouz at the Ali Baba Cafe in Cairo, Egyptهل يهتم النقد بالبعض ويُهمِل البعض الآخر؟

لكيْ نطرح هذا السؤال عن النقد يجب أن يكون النقد في حالة نشاط طبيعية. فالناقد إذا كان منصرفًا عن النقد فمن العبث أن نسأل: لماذا لم يهتم؟ ولماذا يهتم؟

وحتى نحاول رسم جغرافية النقد فسوف نراها على هذا الوجه:

إن حركتنا في مطلع النهضة تكاد تقتصر على النقد، كما أن النقد في أوائل الخمسينيات غلبت عليه الحركة الإيجابية.

فمطلع القرن، كما يتميز بنشاط ملموس في أساسه النقدي، سواء بالاتجاه النقدي إلى التراث أو إلى الأدب المعاصر، أو إلى الأدب الغربي، وبفضل هذه الحركة النقدية عرفنا كثيرًا من التراث، وقامت حركات نقدية لأدباء معاصرين منهم: شوقي، والرافعي، والعقاد، وطه حسين …

ثم غلب على فترة الأربعينيات الإبداع؛ فتراجع النقد لدرجة كبيرة، وأعتقد أن النقد عاد لحركته ثانية بين الخمسينيات والستينيات، وفي فترة تالية لها حتى نكسة ١٩٦٧ حيث حدث بعد ذلك خمود في النقد والإبداع معًا.

ثمة ملاحظة لا يمكن إغفالها هنا، وهي أنه في السنوات التي يكون فيها النقد نشطًا فإنه لا يُهْمِل أحدًا يستحقُّ التنويه، والدليل أن كميات نقد كبيرة جدًّا وجهت للأعلام في الشعر كأحمد شوقي، وفي النثر كالمنفلوطي، وكذلك العقاد، والرافعي، وتوفيق الحكيم، وبظهورهم كانت ثمة حركة نقدية هامة تبرز في الفكر العربي.

والحقيقة أننا لا نستطيع الجزم بأن النقد أهمل أحدًا، وإنما يمكن أن نأخذ عليه مأخذين هامين:

أولًا: البطء في اكتشافه للمواهب الجديدة.ثانيًا: التركيز حول الشخصيات الرئيسية.

فالنقد لدينا — وهذا معروف — يهتمُّ بالقمم، وكأنها هي وحدها التي تستحقُّ جهوده، وهي التي يتابع بها القارئ الحركة الأدبية وحسب، ومن ثم تكون النتيجة إهمال المعاصرين …

ويمكن أن نُضِيف لذلك أن النقد السياسي الذي عرف فيما بعد جاء ليتفق مع من اتفق معه في الرأي. وجاءت بعد ذلك مراكز قوًى أدبية، فكان اتجاه النقد أشبه بالمذكرات الحكومية بين كاتب ومديره. هذه صورة جغرافية للنقد الأدبي.

أما النقد الحقيقي فيجب أن يهتمَّ أولًا باكتشاف المواهب الجديدة وبنقد الأدباء المعاصرين على اختلاف درجاتهم ومذاهبهم.

والدعوة إلى كتابة تاريخنا الأدبي والفكري نظريًّا قد لا تُثْمِر، لكني أعتقد — وأكاد أجزم — أن المسئول عن هذا هي الجامعة … إذ يجب أن يكون للجامعة رأي في توجيه رسائلها «الماجستير والدكتوراه». فهناك الكثيرون يستحقُّون الدراسة ولكننا أهملناهم.

إن دور الجامعات في حياتنا الفكرية هو دور قيادي خلَّاق، تستطيع من خلاله بنظمها العلمية ودراساتها المعملية أن ترصد الظواهر وتفحص القضايا الأدبية …

 

من مقالة لنجيب محفوظ نشرت عام 1980

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail