رهائن في عقل زوكربرغ / زادي سميث

بإمكان البرمجيات أن تختزل البشر، إلا أن ذلك يتم بدرجات متفاوتة. بإمكان الرواية أيضا أن تختزل الإنسان. الرواية الرديئة تفعل ذلك أكثر من الرواية الجيدة، والتي نملك خيار قراءتها.

وفقا للكاتب وعالم الكومبيوتر جارن لانيير Jaron Lanier فإن هيمنة Web 2.0 (منظومة تشمل المدونات، تويتر، فيسبوك، والميديا المشتركة بأنواعها) تحدث سريعا، تحدث الآن، وبشكل ما حدثت وانتهى الأمر.

ما الذي تمت السيطرة عليه وحبسه بالضبط؟ علينا أن نذَكِّر أنفسنا، في هذه اللحظة، أن فيسبوك، الوسيط المفضل في تعاملنا مع الواقع، تم تصميمه من قبل طالب سنة ثانية في جامعة هارفارد، بالاهتمامات الخاصة بطالب سنة ثانية في هارفارد.

 

ما هي حالتك الإجتماعية؟ (إختر واحدة. هناك إجابة واحدة فقط. هناك من يريد أن يعرف ذلك).

هل لك “حياة” ما؟ (أثبت ذلك. أرفق صورة توضح ذلك).

هل تفضل القيام باشياء مقبولة؟ (ضع ذلك في قائمة. من تلك الأشياء: الأفلام، الموسيقى، الكتب، التلفزيون، ولا يشمل ذلك العمارة، الأفكار أو النباتات على سبيل المثال).

 

أخاف أن الحنين يدفعني إلى ما أكتبه هنا. أحلم بشبكة Web تقدم خدمات لأشخاص ليس لهم وجود في هذا العصر: أشخاص عاديين لهم حياتهم الخاصة، أشخاص غامضين بالنسبة للعالم وبشكل أهم بالنسبة لأنفسهم أيضا. الإنسان كحالة غامضة لم يعد موجودا. الذات تتغير، وربما تغيرت بالفعل. كأنني أتفق مع زوكربرغ أن الذات تتطور. بالطبع، سيصر زوكربرغ أن الذات الإنسانية تتغير بدوافع داخلية، وإن التكنولوجيا التي أنتجها زوكربرغ وغيره ليس لها أي تأثير على ذلك التغيير. سأترك ذلك النقاش لطرفيه من الفلاسفة من جهة ورواد التكنولوجيا من جهة أخرى (أو لفئة واحدة يمثلها جارن لانيير الفيلسوف-التكنولوجي) . بغض النظر عن مسار النقاش، ألاحظ بوضوح شديد أن الطلاب الذين أدرسهم الآن لا يشبهون زملائي القدامى ولا يشبهون الطلاب الذين درستهم قبل سنوات. حاليا، أدرس طلابي كتابا بعنوان “الحمام The Bathroom” للكاتب البلجيكي جان فيليب توسان. الكتاب “التجريبي/الغرائبي” يتحدث عن شخص يقضي جل وقته في الحمام. طلابي يعتقدون أن الفعل ذاته طبيعي جدا؛ صورة حقيقية عن ذواتهم العارية، أو، إن وصفت ذلك بشكل أكثر حيادا مللهم الذي لا ريب فيه، ملل الوجود في القرن الواحد والعشرين.

 

في المشهد الأكثر شهرة، يقوم بطل الرواية، في واحدة من لحظات “الفعل” الوحيدة في الكتاب، برمي سهم باتجاه رأس صديقته فيصيبها. في المستشفى تسامحه صديقته ولا تقدم الروية أي تبرير أو تفسير. “ذلك أمر يرجع لهم” قال أحد طلابي وكان سعيدا باجابته. لقارئ من جيلي، شخصية بطل الرواية لا تمتلك عمقا داخليا، أو بالأحرى ترفض أن تمتلك ذلك العمق لسبب أخلاقي. “لا شأن لك في ما امتلكه في داخلي”. بالنسبة لطلابي، رواية “الحمام” هي عمل رومانسي حقيقي.

 

أصدر توسان كتابه عام 1985 في فرنسا. في فرنسا، يبدو أن الفلسفة تأتي قبل التكنولوجيا. في العالم الانغلو-أمريكي نركض خلف التكنولوجيا ونأمل أن الأفكار تعتني بنفسها. في نهاية الأمر، فكرة فيسبوك مخيبة للآمال. لو كان الأمر مرتبطا بفكرة ربط جيل 2.0 بوسيط مثير لما كان الأمر بذلك السوء، لكن فيسبوك هو برية الإنترنت المتوحشة ، تم ترويضها لتلائم خيالات الضواحي والتي تناسب روح الضاحية.

 

“هنالك إشكاليات عرضية في طبيعة هذه البرمجيات. عليكم أن تقاوموا الاعتياد والسهولة التي تقودكم إليها. حين تغرمون بوسيط برمجي هنالك خطر في أن تقعوا رهائن في أفكار الآخرين المستهترة. قاوموا ذلك” جارن لانيير

 

هل علينا أن نقاوم فيسبوك؟ كل شيء فيه مختزل إلى حجم مؤسسه. أزرق، لأن لدى زوكربرغ عمى ألوان (غير قادر على التمييز بين الأخضر والأحمر). يقول “الأزرق أكثر الألوان غنى بالنسبة لي. أستطيع أن أراه بكليته”. Poke لأن ذلك ما يفعله الفتيان الخجولون للفتيات حين لا يمتلكون الشجاعة الكافية للحديث معهن. يعتقد زوكربرغ أن تبادل توافه الأمور الشخصية هو ما تعنيه “الصداقة”. ذلك عالم من إنتاج مارك زوكربرغ. عالم نعيش فيه عبر الإنترنت. سيكون الأمر مبهرا. لكن ما هو شكل تلك الحياة؟ إرجع خطوة للخلف وأنظر إلى حائط فيسبوك، ألا ترى أن حياتك سخيفة بذلك الشكل والتصميم.

 

* زادي سميث  (ولدت في 25 تشرين الأول 1975)   روائية انجليزية، وكاتبة، وكاتبة قصة قصيرة.

مقتبس من مقالة بعنوان: Generation Why

New York Review of Books

ترجمة : أشرف الزغل

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail