هدية لا بيفانا / ايلينا فيرانتي

إيلينا فيرانتي روائيّة إيطاليّة تُرجمت إلى نحو أربعين لغة منها العربيّة. أصدرت روايتها الأولى “حب مقلق Troubling Love” عن دار «إدزيوني Edizioni» عام 1992، وروايتها الثانية «أيّام الهجران The Days of Abandonment» عام 2002. أما «رباعيّة نابولي The Neapolitan Novels» التي صدرت في إيطاليا عن دار «إدزيوني Edizioni» أيضا، فوجدت لدى القرّاء حظوة كبيرة وشهرة فائقة. لا أحد يعرف شكل أو هيئة فيرانتي، ف”ايلينا فيرانتي” اسم مستعار لكاتبة (أو كاتب) لا تحب الأضواء، كما يظهر في رسالتها لدار النشر «إدزيوني» التي أصدرت كتابها الأول عام 1992. وفيها توضح بشكل لا يقبل الشك أنها لا تريد أن يعرفها أحد:

 

العزيزة ساندرا*،

خلال لقائي الممتع بك وبزوجك ساندرو، كنت قد وجهت لي سؤالا بصدد تسويق روايتي “حب مقلق” ( بالمناسبة، من الجيد أنك تدفعينني لاستعمال العنوان النهائي للكتاب ). كان سؤالك يحمل مفارقة ما، واعتلت وجهك حيرة ملغزة. حينئذ، لم أمتلك الشجاعة الكافية للإجابة على سؤالك: كنت على ثقة أنني كنت واضحة مع ساندرو، الذي أكد لي أنه مقتنع بقراري. قال لي أنه لن يناقش الموضوع بشكل جدي أو هزلي. الآن، أجيب على سؤالك ذاك كتابة، مما سيجنبني اللعثمة والتردد، وإحتمالات الرضوخ والإذعان.

لا أفكر في القيام بأي عمل تسويقي لرواية “حب مقلق”. لن أقوم بأي شيء في سياق إجتماعي. لقد قمت بعمل كاف بصدد هذه القصة الطويلة: كتبتها. إذا كان الكتاب يستحق اي تفاعل من جانبي، فذلك يكفي. لن أشارك في نقاشات ومؤتمرات، إذا تمت دعوتي. لن أقوم بتسلم جوائز، إن حصل وفزت بجائزة ما. لن أقوم بتسويق الكتاب، خصيصا بواسطة التلفزيون. لن أقوم بذلك في إيطاليا أو خارجها. سأقوم بالموافقة على حوارات بالكتابة فقط. سأقوم بذلك بشكل محدود جدا. في هذا الشأن، لدي إلتزام تام بحياتي الخاصة وبعائلتي. أرجو ألا أتعرض لضغوط لتغيير رأيي الشخصي. أتفهم أن موقفي هذا سيكون له تأثير على دار النشر. لدي تقدير كبير لعملكما (أنت وزوجك)، أحببتكما، ولا أريد التسبب بأية مشاكل.

في حال قررت أنت وزوجك أن تتوقفا عن نشر كتبي، بإمكانكما البوح لي الآن. سأتفهم ذلك. بالنسبة لي، إصدار هذا الكتاب ليس أمرا ضروريا. كما تعلمون، من الصعب أن أقوم بتفسير أسباب قراري هذا. سأكتفي بالقول أن الأمر كله رهان مع نفسي، ومع مبادئي الشخصية. أعتقد أن الكتب، بعد كتابتها وإصدارها، لا تحتاج إلى مؤلفيها. إن كان للمؤلفين شيء ما يريدون إيصاله للقراء، فستصل رسالتهم يوما ما. إن لم تصل الرسالة، فهم لا يمتلكون شيئا. هناك أمثلة عديدة: منها أنني أحب تلك الحكايات الغامضة، قديمة كانت أو حديثة، تلك الحكايات التي لا تمتلك كاتبا محددا، لكنها امتلكت وتمتلك حياتها الكثيفة الخاصة. تبدو تلك الحكايات لي كمعجزات ليلية، كهدايا لا بيفانا **. تلك التي انتظرتها في طفولتي.

كنت أذهب إلى السرير وكلي شوق لصباح أجد فيه هدايا لا بيفانا أمامي. لا أحد رأى لا بيفانا من قبل. المعجزات الحقيقية هي التي لا نعرف من صنعها: المعجزات الصغيرة جدا عن أرواح البيت الغامضة أو المعجزات الكبيرة التي تذهلنا. لا أزال طفلة تتمنى وتحلم بالعجائب، صغيرها وكبيرها. لا أزال أؤمن بها.

لذلك، عزيزتي ساندرا، سأقول لك بشكل واضح: إن كانت رواية “حب مقلق” لا تمتلك في داخلها ذلك الخيط الذي سيسمح لها بالوصول إلى القارئ، إذا سأستنتج أننا كنا مخطئتين. أما إن نجح ذلك الخيط في الوصول بنسيجه إلى القراء، فما علينا حينها إلا أن نشكر الجمهور القارئ على أنه مد يده بصبر وسحب ذلك الخيط.

أريد أيضا أن أشير إلى أن تكاليف التسويق باهظة. أليست كذلك؟ سأكون الكاتبة الأقل تكلفة في تاريخ دار النشر خاصتكم. سأوفر عليكم تكاليف وجودي.

مودتي،

إيلينا

٢١ أيلول، ١٩٩٢

 

* ساندرو فيري وساندرا أوزولا (يملكان دار النشر»إدزيوني)
** لا بيفانا : عجوز قبيحة تجلب الهدايا للأطفال – بشكل يشبه ما يفعله سانتا كلوز – في ليلة عيد الغطاس.

ترجمة : أشرف الزغل – عن كتاب “Frantumaglia” – رسائل وحوارات مع إلينا فيرانتي 2016

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail