المرأة كائن انساني أم أفلاطوني / سيمون دوبوفوار

ترددت طويلا قبل أن أقدم على تأليف كتاب حول المرأة، صحيح أن الموضوع مثير، خاصة بالنسبة للنساء، ألا أنه ليس بالجديد.
على كل حال، هل هناك مشكلة، وما هي؟ بل هناك نساء؟ يقال لنا : “الأنوثة في خطر” ويحثوننا قائلين: “كن نساء … أبقين نساء”. فكأنما كل كائن انساني مؤنث ليس امرأة بالضرورة بل ينبغي له أن يساهم بهذا الواقع الخفي الذي هو أنوثة. وهل تكفل المبيضات بافراز الأنوثة أم أن هذه تكمن في سماء أفلاطونية؟
في عهد القديس توماس، كانت المرأة تبدو كجوهر تحدد خصائصه كما تحدد خصائص ومزايا نبات الخشخاش. ألا أن هذا المذهب الفكري فقد من نفوذه لأن العلوم البيولوجية والاجتماعية لم تعد تقر بوجود جوهر جامد ثابت يحدد نماذج معينة كالمرأة واليهودي والزنجي.
…….
نحن نعتقد أن الصالح العام غير موجود ألا أذا كان هذا الصالح يضمن الصالح الخالص للمواطنين. ولا نحكم على المؤسسات والنظم ألا من خلال الإمكانيات الملموسة المتيسرة للأفراد. على أننا لا نخلط بين مفهوم الصالح الخاص ومفهوم السعادة. هذه نقطة اخرى تعترض سبيلنا غالبا، أليست النساء اللواتي يؤلفن الحريم أسعد من النساء العصريات المتمتعات بحق الانتخاب؟ أننا لذلك لن نعتمد أبدا على مفهوم السعادة بل سنتبنى وجهة نظر الأخلاق الوجودية.
كل شخص يعمل على تأكيد نفسه تأكيدا فعليا ملموسا من خلال المشاريع والأهداف، ولا يحقق حريته الا بارتقاء مستمر وتسام مطرد نحو مستويات أخرى. ولا يمكن تبرير الوجود الحالي الا بالتفتح نحو مستقبل محد السبيل تمهيدا مطلقا، وكلما تحول الارتقاء الى جمود صار الوجود نحو الانحطاط. أن هذا الانحدار يشكل خطيئة أخلاقية أذا ما رضي به المرء. أما أذا فرض عليه فرضا أصبح ذلك اضطهادا. وفي كلا الحالتين يكمن الشر المطلق. أجل أن كل فرض رائده تبرير وجوده لأنه يحس بهذا الوجود كحاجة لا متناهية الى التسامي.
والمرأة تعرف بأنها كائن انساني وحرية مستقلة، وهي تكتشف نفسها وتصطفي ذاتها في عالم حرص الرجال فيه أن تلعب دور “جنس آخر” دور الغرض والمتاع. أن مأساة المرأة تكمن في هذا النزاع القائم بين المطلب الأساسي لكل شخص ينصب نفسه دائما في مقام الجوهر وبين متطلبات وضع يجعل منها لا جوهرا. فكيف يمكن اذن، للكائن الإنساني، في ظروف مثل ظروف المرأة، أن يستكمل ذاته؟ وما هي الطرق المفتوحة أمامه؟ أيها لا تؤدي الى نتيجة؟ أي ظروف تحد من حرية المرأة وهل في الإمكان مجاوزتها؟. أننا أذ نهتم بإمكانيات الشخص، لا نحدد هذه الإمكانيات بتعابير السعادة بل بتعابير الحرية.

 

عن الجنس الآخر / سيمون دوبوفوار
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail