جولة أغاثا العظيمة / روجر لويس

كتابة / روجر لويس
ترجمة / أحمد فاضل

عندما نقرأ لأجاثا كريستي لابد وأن تتمثل أمامنا تلك العبقرية والموهبة الفذة لهذه الروائية الإنكليزية التي لعبت بعقل القارئ فأثارت فيه مكامن الخوف اللاشعوري في رواياتها ، ليعيش معها ساعاته تلك متفكرا ، مترقبا ، خائفا ، لايريد أن يسمع شيئا من حوله سوى ما يدور فيها من قلق أبطالها وهم يعيشون ذلك الوهم السحري الذي تركته فيهم وكأنه حقيقة ، ولو قدر لقارئها أن يحصي ضربات قلبه واحتمالات ارتفاع وهبوط ضغطه وسكره وباقي حواسه لأقسم أن لايعود لقرائتها أبدا ، لكنها اللعبة الجميلة التي تلعبها الكاتبة الراحلة معنا مع كل ما قدمته لنا من أعمال . ( المترجم )

كلما تنقلت من البلقان الى هيريفوردشاير أو شرق كينت أحمل معي إيريس مردوخ ، أنتوني بيرجس ، مارتن اميس ، لكنني لاأنسى أجاثا كريستي فهي معي دائما لإعجابي الشديد بها لأنها أفضل من يستكشف أعماق النفس البشرية بما تسخر من خير وشروعاطفة ، أو طغيان وسلطة ومال ، وهي كاتبة مثالية في إظهار قوى الظلام داخل النفس الإنكليزية التي تتستر بحسن الخلق والابتسامات الجميلة والغريب من طقوسها الاجتماعية ، لقد استدلت على ذلك من خلال تجربتها الحياتية وزواجها الأول الفاشل من ارشي الذي عرفت منه ماذا تعني الخيانة ، ثم انتقلت بحياتها الى مسارات أخرى جديدة حينما ارتبطت بماكس مالوان بعد أربعة سنوات من طلاقها الذي أرادته أن يكون فاصلا بين ما عانته من زواجها الأول وما ستعيشه مع الثاني كما يطلعنا على هذه التفاصيل حفيدها ماثيو بريتشارد في كتابه ” أجاثا كريستي : جولة رائعة ” الصادر مؤخرا عن دار نشر هاربر كولينز الذي ضم إليه مجموعة من رسائلها وتذكارات عديدة وصور فوتغرافية تعود الى عام 1922 عندما رافقت زوجها الأول ارشي بوصفه عضوا في البعثة الوطنية للإمبراطورية البريطانية المشرفة على إقامة معرض تجاري كبير جال مستعمراتها وبؤرها الاستيطانية آنذاك انطلاقا من جنوب أفريقيا واستراليا ونيوزيلندا وهاواي وكندا والولايات المتحدة .

أجاثا كريستي كانت قد أبحرت من ميناء ساوثمبتون في يناير / كانون الثاني 1922 ولها من العمر 32 عاما في رحلة طويلة استغرقت أحد عشر شهرا ، لكن ما أدهشني فيها وأنا أقلب صفحات هذا الكتاب الحياة الإنكليزية الفخمة التي كانت تعيشها الإمبراطورية والتي أشارت إليها في رسائلها ، فنادق أنيقة ، سفن بخارية فاخرة ، مبان وقصور مزخرفة بنيت على الطراز الفيكتوري كانت سكنا لنواب الملك أو الحاكم العام ، وحدائق تعزف فيها الأوركسترا تحت ظلال النخيل ، وهناك نوادي يلعبون فيها القمار وأزياء يتأنق بها أعضاء العائلة المالكة ، وكلاب من شتى الأصناف بما فيها المسعورة ، هذه واحدة من الأسباب التي تدعونا أن نقرأ أجاثا كريستي فهي تذكرنا بكل ذلك العهد الباذخ من تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف ، قالت في واحدة من تلك الرسائل : ( عندما كنت أستقل القطار أجده أكثر سخونة من المعتاد وان منظر الببغاوات منها الزرقاء والحمراء والخضراء وهن يتطايرن في الهواء على شكل أسراب كبيرة أحسبها كالمجوهرات الطائرة ) ، هذا المنظر كانت تتطلع إليه من نافذة القطار وهو يطوي الأرض في روديسيا ما أوحى لها بكتابة روايتها الشهيرة ” قطار الشرق السريع ” بعدئذ ، أما في رحلاتها البحرية الطويلة فقد وصفت مقصورات النوم فيها وموائد الطعام المختلفة والأماسي الليلية التي كانت تحضرها أنها أيام لاتنسى ما جعل كل ذلك حاضرا في روايتها ” موت على النيل ” التي كتبتها فيما بعد .

في رحلتها الطويلة وجدت في الميجور بلشر وهو رئيس البعثة الإمبراطورية رجلا وقحا ومتهورا وفي كثير من الأحيان حاد المزاج وحقير كما عبرت عنه في إحدى رسائلها ، ومن الغريب أنه لم يرتكب جريمة قتل طيلة وجوده هناك في روديسيا كما تقول عنه ، لكنها عمدت الى تصويره قاتلا في روايتها ” موت على النيل ” ولو بصورة قريبة منه ، ثم هناك ارشي كريستي الذي لايقل عن بلشر عدوانية فهو كما تصفه شخصية غامضة ، صبياني ، يبتسم في صوره دائما مع أن ابتساماته تلك يمكن تفسيرها على أنها ابتسامة صفراء ومن هنا يتضح لنا عمق ورطة زواجهما هذا بسبب اعتزازه بذكوريته وتهميش دورها كإمرأة لها وجودها ورسالتها في الحياة ما انعكس سلبا على فترة من حياتها ، فهو كان دائم القول لها أن العمل الوحيد للمرأة هي أن تكون مربية حضانة لاغير، فلا غرابة أن يكون دائما حاضرا في رواياتها ، ولما باعت حقوق نشراحداها الى ناشر أمريكي بدأت عائدات الرواية تتدفق عليها ما أزعج ارشي فكان سريع الانفعال ، يغضب لكل شيئ لأنه لم يكن بوسعه الحصول على انطلاقة جيدة وكبيرة كالتي حصلت عليها أجاثا كريستي .

 

* صحيفة / الديلي ميل 3 مايو / أيار 2012

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail