الإنسانية بخير لكن %99 من الناس حمقى ومملون / سلافوي جيجيك

Slavoj-Zizek laghooمقابلة مع سلافوي جيجيك أجرتها الغارديان

عبقري، لديه إجابات للأزمة المالية العالمية؟ أم هو بورات (Borat) الفلسفة؟ المُنَظِّر الثقافي والفيلسوف سلافوي جيجيك يتحدث عن الحب والجنس وعن السبب في أن الأشياء ليست كما تبدو.
“عد من الباب الرئيسي، فَكِّر كشخص من اليمين المتطرف سياسيا، إذهب من اليسار إلى اليمين، ثم في النهاية، إلى اليمين مرة أخرى”. ولكن ما هو رقم الشقة، في حال إلتباس الأمر عليه؟. “اعتقد انه 20 “، يقترح جيجك. “ولكن من يدري؟ دعونا نفحص”. وهكذا يمشي إلى الخارج، يفتح بابه ويلقي نظرة.
يلوح للمصور، ويشير إلى معالم العاصمة السلوفينية. “هناك تلاحظ نوعا ما من مؤسسات مكافحة الثقافة، هم يكرهونني وأنا أكرههم”. “هذا نوع من اليساريين الذي أكره؛ اليساريين الراديكاليين القادمين من عائلات غنية جدا. معظم المباني الأخرى هي وزارات حكومية. أكرهها”. نعود إلى غرفة الضيافة؛ غرفة مرتبة جدا وليس فيها حس جمالي مميز. شيئان يخطفان الإهتمام: لعبة فيديو “Call Of Duty: Black Ops” وصورة لستالين. يصب جيجيك الكوكاكولا زيرو في كأس ماكدونالدز عليه رسومات من عالم ديزني، وحين يفتح خزانة في مطبخه، ألاحظ أنها تحتوي على ملابس.
“أعيش كالمجنون” يصرخ، ويقودني في جولة في أنحاء البيت ليشرح سبب وجود ملابس في خزانة المطبخ. “هل تلاحظ؟. لا مكان للملابس”. إنها الحقيقة، أكوام مكدسة من الكتب والفيديوهات في كل مكان، ومن بينها أعماله التي بلغت 75 عملا مترجما إلى لغات عديدة. هذه لوحدها احتلت غرفة كاملة.
ولد الفيلسوف والناقد الثقافي جيجيك عام 1949 في يوغوسلافيا وخلال حقبة الرئيس تيتو. عمل في السلك الأكاديمي في فترة كان نظام تيتو يطارد معارضيه. نشر اول كتبه بالانكليزية العام ١٩٨٩ بعنوان «موضوع الايديولوجيا الرفيع»، وفيه يقرأ جيجيك أعمال وطروحات الفيلسوف هيغل بمنظار عالم النفس الفرنسي جاك لاكان. منذ لحظة إصدار ذلك الكتاب، عرفه القارئ الغربي بأعمال أخرى مهمة مثل “الحياة في آخر الزمان” وأفلام مثل “دليل المنحرف إلى السينما”.
بمعايير نظرية الثقافة، يقف جيجيك في الطيف المفهوم من مجموع الفلاسفة . يقول الناقد شون شيهان في كتابه “جيجيك – دليل المحتار”، “جيجيك يرى مكانا لطروحات لاكان في فلسفة هيغل عبر رؤية الحقيقي كطرف متعلق بازدواجية النفس وانقسامها في العالم الظاهري”.
مع أن هناك إمكانية لإزعاج الكثير من جمهور جيجيك العريض، إلا أنه ينبغي القول أن الكثير من أعماله لا سبيل إلى اختراقها وفهم محتواها. لكنه يكتب بشغف وجدة، وطروحاته المركزية فيها إعمال للعقل يحترمه أعتى نقاده. جوهريا، يقول جيجيك أن الأشياء ليست كما يبدو، وإن التناقض مرتبط ومرموز في كل شيء. معظم ما نفكر فيه كجذري أو هدام أو أخلاقي لا يغير في الحقيقة شيئا.
” يشبه الأمر شراءك تفاحا عضويا (Organic). أنت تفعل ذلك لأسباب أيديولوجية، يجعلك تشعر بالرضى:” أنا أفعل شيئا من أجل أمنا الأرض”، وهلم جرا ولكن بأي معنى نحن منسجمون، إنه ارتباط كاذب. على النقيض من ذلك، نحن نفعل ذلك لأننا نتجنب فعل أشياء أخرى، لذا نشعر بالراحة. أنت تعيد تدوير فضلاتك، ترسل 5 دولارات إلى طفل صومالي، لقد قمت بواجبك”. لقد تم خداعنا كي نقول بتشغيل صمامات الأمان كي يظل الوضع الحالي دون مساءلة. “نعم، بالضبط. هاجس الليبراليين الغربيين بسياسة الهويات يحرفنا عن الإهتمام بصراع الطبقات. في الوقت الذي لا يدافع فيه جيجك عن أي نسخة من الشيوعية على الاطلاق من الناحية العملية، إلا أنه لا يزال – كما يسمي نفسه – “ماركسيا معقدا” مع مثل ثورية.
بالنسبة لنقاده، كما وصفه أحدهم، هو بورات الفلسفة، حيث يتفوه بأكثر العبارات جدلا سعيا خلف أثر فضائحي. من عباراته الملفتة على سبيل المثال “هتلر لم يكن عنيفا بشكل كاف”، “أنا لست إنسانا، أنا وحش”. هناك من يعتبره مجادلا سخيفا، وهناك من يرهبه بسبب نزعاته النيو ماركسية التوتاليتارية. لكن منذ الأزمة المالية العالمية، تم اعتباره خبيرا في الركود الاقتصادي، معجبوه يتكاثرون ويعطونه صفة المثقف العبقري. بالنسبة له، شعبيته هي مفارقة ممتعة، لأنه – كما يقول – لو كانت الأمور بيده لما تكلم مع أحد. ليس بالإمكان معرفة ذلك نظرا إلى الحفاوة التي استقبلنا بها. لكنه يوضح بشكل سريع أن إنتباهه لمن حوله وسيلة لإخفاء بغضه للناس. “بالنسبة لي، الجحيم هو الطريقة الأمريكية في الاحتفال، أو عندما يسألونني أن ألقي كلمة، ويقولون شيئا من قبيل “بعد الكلمة هناك حفل استقبال”، أعرف أن ذلك هو الجحيم. ذلك يعني أن المحبطين الحمقى الذين لم يكن باستطاعتهم توجيه الأسئلة بعد الكلمة سيتوافدون للحديث معي. يقولون “بروفيسور جيجيك، نعرف أنك متعب من الكلام لكن …” سحقا لكم إذا!. إن كنتم تعلمون أنني متعب لماذا تكلمونني؟. مع الوقت أشعر أنني أصبح ستالينيا. يقول الليبراليون دائما أن التوتاليتاريين يحبون الإنسانية لكنهم يفتقدون للعاطفة حين يتعاملون مع الأفراد الواقعيين، هل في ذلك خطأ؟. حسنا، هذا يناسبني. الإنسانية؟ نعم بعض من النقاشات وبعض من الفنون. أفراد واقعيون؟. لا. 99% حمقى ومملون.
غالبا، جيجيك لا يحتمل الطلاب. “مطلقا. على سبيل المثال أصبت بالصدمة في إحدى المرات حين تقدم أحد الطلاب في الولايات المتحدة، عندما كنت أدرس هناك (ولن أفعل ذلك مرة أخرى) وقال “هل تعلم يا أستاذي أنني كنت أفكر بما قلته بالأمس، ولا أعرف عن أي موضوع سأكتب في البحث المطلوب. هل باستطاعتك أن تعطيني بعض الأفكار . بناءا على ذلك سأفكر بشيء ما”. سحقا له. من أنا لأقوم بذلك.
أضطر جيجيك أن يترك الكثير من الدروس التي يقدمها في أوروبا وأمريكا كي يتخلص من الطلاب غير المحتملين. “أصاب بالامتعاض عندما يأتون لي بمشاكلهم الشخصية”. أنظروا إلي، أنظروا إلى تقلصات وجهي عندما أتكلم. ألا تلاحظون أنني مجنون؟”. “كيف تفكرون للحظة أن تستشيروا مجنونا في أموركم الشخصية؟”. “لكن لا أحد يفهم. لا يزالون يثقون بي”. أكره ذلك في المجتمع الأمريكي. أكره هذه الصراحة. تقابل شخصا للمرة الأولى في حياتك ويبدأ بالحديث عن حياته الجنسية . أكره ذلك. أكرهه.”
يتملكني الضحك بعد سماع ذلك من جيجيك، لأنه ناقش الجنس في اللحظات الأولى من لقائنا. فلقد تطوع للكلام ،ونحن لا نزال في المصعد، عن صديقة قديمة اقترحت عليه أن يقوما بما أسماه “اغتصاب توافقي”. تخيلت أنه يريد أن يناقش كتابه الأخير عن هيغل لكنه كان متشوقا للحديث عن الجنس.
“نعم. لأنني رومانسي جدا. هل تعلم ماذا يخيفني؟. تخيفني آداب الجنس مابعد الحداثية، النفعية والمتساهلة. هذا فظيع. يقولون أن الجنس مفيد لصحة الإنسان، للقلب، للدورة الدموية، يعطيك الإحساس بالراحة. يذهبون أبعد من ذلك عندما يصفون التقبيل أنه يساهم في تنمية عضلات الفم. أمر مفزع، يا إلهي”. يتكلم جيجيك عن خدمات المواعدة أو “الإستعانة بمصادر خارجية” لتجنب مخاطر الحب. “لم يعد الحب عاطفة مطلقة. أحب الجنس كجزء من ذلك. الحب هو أن أبيع أمي في سوق النخاسة كي أضاجعك إلى الأبد. هناك شيء لطيف، ورائع. سأظل رومانسيا غير قابل للشفاء”.

 

عن الغارديان – ديكا أيتكنهيد
ترجمة: أشرف الزغل

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail