الكاتب والمُحَرَّم – مع وليد الشيخ

Walid el Sheikh The Writer and the Taboo Laghooللشاعرالفلسطيني وليد الشيخ صوته الخاص. هذه فكرة عامة، عالجها اخرون سابقا. قيل عنه “المراهق الذي يزيح الأيديولوجيات الكبيرة” وقيل أيضا أنه “شيوعي آخر يفكر بأشياء صغيرة“. هو صديق قديم، وزميل في حلقات الشعر مع بدايات هذه الألفية. أذكره الآن وهو يثير غيرتنا الشديدة من قصيدته الطازجة أيام نادي الشعر الأسبوعي في بيت الشعر الفلسطيني. أرسلت أسئلة لغو إلى وليد بواسطة الكاتب الصديق زياد خداش. أجاب بوقت قياسي. لم أستغرب ذلك من الشاعر الذي لا ينام دون أن يكتب. قال لنا ذلك في يوم ما، وأثار قلقنا على مشاريعنا الشعرية والإبداعية من جديد. بعد أربع مجموعات شعرية ورواية، يمشي وليد باطمئنان أمام معماره الفني، أمام قصيدته النثرية التي -وللمفارقة الشديدة- تحمل عدم توازنها الهندسي في اسمها. هو الذي سبقنا إلى قصيدة النثر، كأنه الوحيد الذي يعرف الفيزياء خاصتها.

يقول الشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو أن “وظيفة الشاعر (وهي الوظيفة التي لا يمكن تعلمها) تتلخص في وضع أشياء العالم المرئية، والتي أصبحت لامرئية بفعل العادة، في أمكنة غير معتادة بحيث تعطيها قوة تراجيدية”. فلنتكلم عن الخاص الفكري، كيف يفعل وليد الشيخ ذلك؟، وبالأخص ماذا يفعل بخصوصيات ألأنثى غير المرئية بحكم العادة، والتي تعوم في نصوصه بجماليات خاصة فيها تراجيديا ذات مذاق خاص.

لم تكن الغاية من الحوار التالي الحديث عن الشعر والحياة أو عدمها معه، بل الحديث عن المنطقة التي يحوم فيها شعر وليد الشيخ بفعل وظيفته في استدراج غير المرئي إلى المرئي ؛ كل ذلك الرقص، أين حدوده، كيف يضبط إيقاعه الفكري بشأن المحرمات حين يكتب. متى وكيف “يطرق أبواب الحرام” بتعبيره الشخصي؟

. هل ترى في الكتابة عن المحرمات فعلاً ضرورياً؟ 

علينا أن نحدد ما نقصده بالمحرمات ، أنا لا أرى مثلاً أن طرق موضوعات تتعلق بالجسد أمراً محرماً أو معيباً .

حتى وإن أحلنا الأمر الى مرجعيات دينية ، فإنني أرى أن القراءة الخاطئة للنص الديني هي التي أفضت إلى إعتبار الجسد أمراً من المحرمات ، وربطته بشكل تعسفي بمفاهيم إجتماعية مغلقة مثل العيب .

إن كان المقصود بالسؤال الكتابة عن الجسد فأنا اراه ضرورة بالتأكيد ، كيف لنا أن نحرر أرضنا مثلاً ونحن لا نملك الحرية على أجسادنا . إن ثقافة تعتبر الجسد ملكية إجتماعية للعائلة والقبيلة بمعناها السياسي ، أدت الى استلاب حرية الجسد ، بالضرورة لا بد من تغييرها ، حتى وإن عن طريق الصدمات .

لا نستطيع التفكير خارج أجسادنا الآن ، وهي أجساد مدماة وبائسة ، ومتهمة دائماً .

أما الثالوث المحرم ( الدين ، والجنس ، والدولة ) والممنوع تداوله في الثقافة العربية علناً ، أرى أنه لا بد من إجتياحه حد التفكيك ، كي نستطيع بناءه من جديد . الكتابة أحد الادوات القادرة على هذا الفعل .

. هل هناك موضوع جدلي محدد تفضّل الكتابة عنه؟ 

كل ما أحس بالحاجة للكتابة ، أذهب اليها ، دون تفضيل أمر على آخر .

لكن يبدو أن موضوعات أكثر من غيرها تسيطر أحيانا ، وتحتل مساحات واسعة مما أكتب ، أميل بإستمرار الى طرق أبواب (الحرام ) من باب المسائلة ، وكلما وقفت على بابه ، أدركت اكثر الزيف الذي يحيط به ، إنه مجرد هيكل فارغ ينمو على تلال من الملح ، بمجرد أن تندلق على ارضه كأس ماء يتشظى فيصبح أسباباً بائسة .

. هل هناك موضوع جدلي ترى أنه من الأفضل أو من الواجب عدم الكتابة والتعبير عنه؟ 

كل شيء مباح للكتابة عنه ، لا اوافق على وجود مقدسات يجب عدم الاقتراب منها . بل العكس ، كلما كان الأمر مثيرا للجدل لا بد من التصدي له من خلال الكتابة .

. هل تفكر في القارئ أو الجمهور اثناء الكتابة؟ 

عند النشر نعم ، قبل ذلك وأثناء الكتابة لا أفكر كثيراً بهذا الأمر .

. هل تؤيد أن يكون رقابة ما على الفن والكتابة؟ 

اعتقد أن الحرية هي شرط أساسي للابداع . أية رقابة ستكون بالضرورة سقفاً يحد من الحرية وبالتالي من المنجز الإبداعي .

. كيف توازن بين المجازي والحقيقي في كتابتك؟

يمكن النظر الى كل كتابة باعتبارها مجازاً ، أما أن أردت ربطها بالبلاغة ، فأنا أرغب بالتحرر منها ، أذهب للتقشف كلما استطعت ، التقشف حد العطش أحياناً .

. هل تشعر أنك تخون فكرتك أحياناً بسبب الكتابة غير المباشرة؟ 

أطمح أن أكون أكثر جرأة ومغامرة في الكتابة ، آمل أن أحقق ذلك يوماً ما . أشعر كلما علقت مفردة وترددت في كتابتها أنني ما زلت أسيراً ، وأن ثمة مسافة لا بد أن أجتازها ، أحاول أن أدرب نفسي على الكتابة حتى تشبه ما أبوح لنفسي به .

. من حيث الأولوية في التأثير الثقافي، كيف ترتب الثيمات الجدلية التالية: الدين، السياسة، المرأة/الجندر؟ 

الدين عنصر رئيسي من عناصر الثقافة ، واللغة هي العنصر الأول . إن تحررت اللغة وتطورت أرى أن بإمكانها إعادة انتاج المسلمات وفق قراءات نقدية تساعد على تجاوز اشكاليات السياسة وموضوع الادوار الاجتماعية .

أصبح الدين فاعلاً سياسياً بامتياز ، من خلال الحركات الدينية التي إستخدمته لمصالحها .

لكن بداية على اللغة أن تتحرر . ربما مشكلة اللغة العربية أنها لغة ( مقدسة ) ، والإقتراب منها يشبه المشي في حقل الغام . اللغة هي بيت الفكر ، وكلما كان البيت نظيفاً صارت الأفكار أكثر رشاقة ، هذا ما تحتاجه الثقافة العربية الآن ، بيت نظيف .

. هل تعرضت للنقد أو الإرهاب من قبل بسبب تناولك مواضيع جدلية في أعمالك؟ 

للنقد نعم ، لم يسيء ذلك لي . بالعكس ، كلما تمعنت أكثر في ما وجه من إنتقادات ساعدني ذلك على وضوح الرؤية .

. هل بالإمكان ان يتعايش الجدلي والمقدس في العالم العربي؟ 

العالم العربي الآن يحاول الإجابة على هذا السؤال في الشارع . الحراك في العالم العربي شامل . لم تستقر الأمور بعد ، ما أعرفه ان الاجابة ستتشكل قريباً .

لا بد أن ينتصر الجدل في النهاية باعتباره حاملاً للاسئلة ، لأن الحياة في النهاية هي السؤال . لا اجابة مطلقة سوى الموت .

 

حاوره : أشرف الزغل 

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail