الكاتب والمُحَرَّم – مع كارل شرو

Karl Sharro Laghooكارل شرو، معماري وكاتب ساخر لبناني-عراقي يقيم في لندن. اشتهر كارل بمدونته Karl reMarks، والتي نشر فيها كتاباته الساخرة بعد نشوب الثورات العربية بين عامي 2011 و 2015. ينشط كارل أيضا على تويتر وينشر في دوريات ونشرات عالمية في مجالات الفن، والعمارة، والسياسة. يعمل حاليا على إصدار روايته الأولى.

نحن سعداء في لغو باستضافة الكاتب الساخر المدهش كارل شرو ضمن حوار تناول بشفافية عالية حرية الكلمة، الرقابة، دور المثقف العربي، والعلاقة بين الكتابة والمحرمات في الثقافة العربية.

 

1- هل تعتقد أن الكتابة عن المحرمات ضرورية فعلاً؟

أعتقد أنها ضرورية من وجهة نظري، لكنني لا أعتبرها شرطاً أساسياً للكتابة الجيدة. أظن أن هناك اليوم الكثير من التركيز على استخدام الأدب والفن على نطاق واسع لأغراض اجتماعية وسياسية، وهناك ضغط لحث الكتّاب على المساهمة في البرامج الاجتماعية والسياسية، مما يؤدي الى نتائج عكسية. جزء من ذلك الضغط يتضمن الطلب من الكاتب أداء دور المصلح الاجتماعي وهذا لا يشعرني بالارتياح. أعتقد أنه يحق للكتّاب أن يستكشفوا بحرية أفكاراً خاصة بهم دون هذا الضغط من المجتمع. نحن نرى هذا بشكل خاص في الأدب العربي، حيث هناك ازدراء واضح للفنانين الذين يبتعدون عن البحث في القضايا الاجتماعية والسياسية. و في الواقع علينا أن نتصدى لهذا الموقف.

بما أني في الغالب أكتب كتابات ساخرة، فلا بد لي من التطرق الى المحرمات والقيود الاجتماعية في عملي. هذه المحرمات ليست بالضرورة واضحة، أو ليست تلك التي نتفق عليها عموماً في المنطقة أنها هي التي تستحق المواجهة : الدين على سبيل المثال، لأنني أعتقد أننا نعيش في زمن غريب حيث النخب الثقافية لدينا تخلق محرمات جديدة وتحرسها بغيرة تماثل تلك التي يحرس بها المحافظون المحظورات الخاصة بهم. هذا الاحساس بإجماع خانق برأيي يستحق التحدي والمواجهة بقدر االتحدي المطلوب لمواجهة لأفكار الموروثة والأشكال التقليدية.

 

 الغريب أن النخب الثقافية لدينا تفتقر الى غريزة الدفاع عن حرية التعبير، على الرغم من الواقع المرير

 

2- هل تفضل أن تكتب عن موضوع معين مثير للجدل؟

بدأت الكتابة الساخرة بعد بداية “الربيع العربي”، لذلك اقتصر موضوع كتابتي إلى حد كبير على تلك اللحظة التاريخية وملمحيها الرئيسيين وهما الأنظمة الاستبدادية و صعود الحركات الإسلامية المتطرفة لاحقا. لكن اتضح أن ذلك لم يكن الجانب المثير للجدل من كتاباتي. والمثير للدهشة أن دفاعي عن حرية الرأي وحرية التعبير كان أكثر إثارة للجدل. هناك فكرة تدور اليوم، مرة أخرى بين النخب العربية، أن تلك المفاهيم غريبة وهي غربية بطبيعتها، وبالتالي لا تنطبق على منطقتنا ووضعنا. أجد أن هذا الشيء مخيب للآمال بشكل كبير، لا سيما أن هناك عدد من الكتاب العرب، والبعض الآخر من المنطقة، قد أُعتقلوا، أُخضعوا للرقابة، تعرضوا للإعتداء والقتل بسبب أفكارهم.

وبالرغم من ذلك، الغريب أن النخب الثقافية لدينا تفتقر الى غريزة الدفاع عن حرية التعبير، على الرغم من هذا الواقع المرير. ولهذا السبب أجد نفسي أعود إلى هذا الموضوع وأتحدى هذا الشكل الجديد من الرقابة الذاتية الذي يتم الترويج له. ولا بد لي من الإشارة إلى أن هذا هو تأثير التعليم الغربي المعاصر وليس مجرد قدرة عربية فطرية على قبول حرية التعبير. كما نرى يجري التخلي عن حرية التعبير في الغرب، ومن المألوف أن يحصل ذلك في الأوساط الأكاديمية، نخبنا ينقلون هذه الأفكار إلى المنطقة دون تمحيص.

 

3- هل تعتقد أن هناك مواضيع جدلية لا ينبغي التصدي لها، ويجب أن لا تكتب أو تعبر عنها؟

الجواب المختصر هو لا، بالتأكيد لا. ما إن نفرض على أنفسنا ذلك الوضع، فإننا نخلق شبكة جامحة من الرقابة والرقابة الذاتية، طوعا أو كرها، بتقييد أنفسنا وأيضاً بإعطاء السلطات الخارجية القدرة على التحكم في الكتابة. وكل كاتب يقبل بهذا الشرط يكون قصير النظر. ولكن بالطبع أنا أعترف بأن الواقع صعب للغاية، وانه من الاسهل بكثير بالنسبة لي أن أكون أكثر شجاعة حول هذا الأمر من الذين يعيشون في الشرق الأوسط. فأنا أتمتع بأمان لندن بينما هم يسكنون هناك. ولكن يكفي أن ننظر الى تاريخنا الحديث لنرى أن كتّاباً نشروا كتباً بغاية الشجاعة بينما يعيشون في المنطقة. الروائي السوري حيدر حيدر على سبيل المثال، وغيرهم كثيرون طبعاً.

 

4- هل تفكر في القارئ أو الجمهور عندما تكتب؟

هذا يبدو وكأنه كليشيه، لكن في الحقيقة أنا أكتب لنفسي، لا سيما عندما أكتب الفكاهة أو السخرية. وهذا لا يعني أنني لا أهتم بالقراء، ولكن من دواعي سروري الكتابة لغرض الإستمتاع وأعتقد دائما أنه إذا كنت صريحاً مع نفسي فذلك ينعكس في االقبول الذي تحظى به المقالة. ومع ذلك، هذا ليس الحال دائما كما اكتشفت. فإنه من السهل أن أتجاوز الحدود وأركز على ما يمتعني أحيانا، فتفقد هذه القطع جاذبيتها لاحقاً، حتى بالنسبة لي.

من ناحية أخرى، عندما بدأت الكتابة كنت أشعر بكثير من القلق حول كيفية تلقّي القراء لها واستجابتهم اليها. هل سيفهمون ما أحاول القيام به، خصوصاً إذا كان نصا ساخرا يسهل اساءة تفسيره. وكان حدسي أن أنشر أولاً وأرى ما سيحدث لاحقاً، وكنت دائماً افاجأ بمدى ايجابية تلقي النص وفهم القراء لسياقه . مع مرور الوقت، تعلمت أن أسترخي وأثق بحكم القراء.

 

5- كيف توازن بين الواقعي والمجازي في كتاباتك؟

Karl Sharro Karl ReMarks Laghooأنا محظوظ لأن التمييز مهم في حد ذاته في الكتابة الساخرة لأن الهدف واضح دائماً. الخطر الوحيد يكمن في عدم فهم القراء للنية الساخرة، ولكن الكتابة في هذا المجال دائماً ممتعة بطريقة خاصة. امكانية خلق واقع بديل مقنع لبعض الناس لها بالتأكيد جاذبيتها على الرغم من أنني لا اتعمد خداع الناس، وأعتقد أن في ذلك تفاهة.

هناك جانب ممتع للعب على العلاقة بين المجاز والحقيقة في الكتابة وقد كتبت عنها في نصوص عدة منها نسخة معاصرة عن كليلة ودمنة. هنا الهدف لم يكن فقط هجاء الحكام العرب الدكتاتوريين ولكن أيضا تقليد ساخر لهذا النوع من الكتابة الاستعارية الذي مازال قائما في شكل ما في منطقتنا. هناك دائماً مشكلة بالنسبة لي عندما يقول الناس إنه تم استخدام هذا النوع من الكتابة للتهرب من الرقابة ولكنني أفكر أيضا “كم من الغباء هذه الرقابة يجب أن تكون كي لا تفهم قصة الخروف والأسد الطاغية” على سبيل المثال. وفي حالتي، أعتقد أن استهداف التراث الأدبي لدينا هو جزء من هذه العملية.

 

أعتقد أن هناك إشكالية في وسائل التواصل الإجتماعي، لعل هذه العلاقة الوثيقة بين الكاتب والقراء ليست فكرة جيدة لأنها تحمل في طياتها شيئا من التقييد والرقابة

 

6-هل تشعر بأنك تخون أفكارك أحيانا بسبب الكتابة غير المباشرة؟

سأكون كاذبا إذا قلت لا. أعتقد أن هناك إشكالية في وسائل التواصل الإجتماعي، لعل هذه العلاقة الوثيقة بين الكاتب والقراء ليست فكرة جيدة لأنها تحمل في طياتها شيئا من التقييد والرقابة. ليس بالضرورة بشكل واضح، ولكن بقدر ما يتعرض الكاتب مباشرة للجمهور بقدر ما يبدأ في خلق آليات خفية من الرقابة الذاتية، وهذا ينجم عن شعور الكاتب بأنه لا يريد أن يخيب الناس المعجبين به. ثمة تناقض هنا وأنا لست متأكداً من أنني قد وجدت إجابات بهذا الخصوص.

 

7- من حيث الأولوية في التأثير الثقافي، كيف تصنف الموضوعات الجدلية التالية: الدين، السياسة، المرأة /نوع الجنس؟

في منطقتنا على وجه الخصوص كل هذه الثيمات مترابطة و متداخلة بالطبع. لنكن صادقين، قد تجد من بين الكتاب بعض الاصوات الواضحة في مجال الدين او السياسة لكنك لا ترى بالضرورة نفس المستوى من الصراحة في مجال الجندر\النوع الاجتماعي. بصورة عامة، لا يزال يعتبر اكثر بطولية بين النخب الثقافية أن تكون ثائرا على الدين او السياسة مما عليه الحال ان كان الامر يتعلق بالنوع الاجتماعي او الجندر. بالطبع هناك الكثيرين ممن يدافعون كلاميا عن المساواة بين الجنسين لكنني لا ارى ذلك مترجما كانشغال حقيقي، باستثناء بعض المنافذ الثقافية. وحتى تلك المنافذ فقد تجد هناك ان الاعتبارات الغربية فيما يتعلق بالجندر أكثر تأثيرا من اعتبارات واقع حياة المراة العربية في العالم العربي.

 

 

8- هل خضعت للنقد أو الإرهاب من قبل بسبب تناول الموضوعات المثيرة للجدل في أعمالك؟

كثير من الانتقادات، والكثير منها مستحق، ولكن دون ترهيب جسدي. وذلك يعود جزئياً إلى أنني أعيش في بريطانيا، وجزء منه لأنني أكتب معظمها باللغة الإنجليزية وكما أقول دائما ليس من السهل أن يستاء المرء من تعليق مضحك من ألف كلمة بالمقارنة مع كرتون أو فيديو مثلاً.

 

9- هل يمكن للجدلي و المقدس أن يتعايشان في العالم العربي؟

اليوم يبدو أنه لا يمكن تصورهذا الأمر، ولكن أعتقد أن واقع عصرنا يخدعنا وينسينا كيف كانت الأمور مختلفة قبل بضعة عقود فقط. شاهدت مؤخرا شريط فيديو لقارىء قرآن مرموق  يغني أغنية لمحمد عبد الوهاب في الستينات، يبدو ذلك مستحيل التصور اليوم. سيكون من الخطأ أن نقع في فخ الحنين بدلا من أن نفكر أن الماضي المختلف هو أيضا لمحة عن امكانية مستقبل مختلف. ونحن نمر بلحظة انتقالية عنيفة كل جانب من جوانبها يصبح مضخما ونفقد وجهة النظر الموضوعية، ولكن أنا متفائل بشأن قدرتنا على إعادة إنشاء الأطر السياسية والثقافية الجماعية لمواجهة هذه التوترات، كما فعلت الكثير من المجتمعات الأخرى.

 

أجرى الحوار بالأنجليزية: أشرف الزغل
ترجمة: غادة مراد
Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail