محمد فضل وقصة اللون القصيرة

هل جربت الغناء يوماً على ايقاع عمل فني؟، وأحسست بالتحول البصري للتجريد الذهني، الذي يتجاوز الحواس المعروفة، لاغياً القواعد والقوانين العلمية والفيزيائية، ومنضبطاً ضمن قانون وقاعدة انسانية خالصة وذاتية؟

بين الزخرفة والتجريد

في ظل الحراك اللوني المتقطع والمستقل والمتكرر، تضعنا أعمال الفنان محمد فضل أمام جدلية الزخرفة والتجريد، حيث يذهب باتجاه زخرفي واضح، لا سيما إلغاء البعد الثالث والتسطيح اللوني في العمل، وبناء الخط على أسس زخرفية وهندسية أو نباتية أو حيوانية، ويقع العمل في تعريف شائك بانتمائه للون الصريح أيضاً، الذي يعكس تجربة زخرفية إسلامية، ولكن ما يسقط هذه الإشكالية ويدفع التجربة إلى النجاة من التقليد والانتماء لذاتيتها الخاصة، هو ( الإسلوبية القصصية) واقتراب العمل من القصة القصيرة في حال بناء رؤيتنا على التناص، فنجد أن كل عمل يحمل قصة خاصة، تبدأ وتنتهي في اللوحة نفسها، او قصة رمزية تأخذ أبجدياتها من الموروث القصصي والخرافي الشعبي، لينتقل إلى شكل أكثر أصالة، ويتضح ذلك بالمعالجة الخاصة لهذه العناصر داخل العمل الفني.

كما أن التشكلات والنشاط الفعلي لأثر الفرشاة وتنقلاتها على سطح العمل وتحررها من التقاليد الزخرفية الكلاسيكية أضاف للعمل حركة داخلية مركزية، واعتمد في بناءاتها وتراكماتها على هذا الأساس، بمعنى خلق العنصر واعتماده كأساس بنائي في اللوحة، مضيفاً إليه هالة من الألوان والزخارف المتنوعة باللون والحجم والشكل والملمس. وانعكاس الإحساس بوجود غابة من الألوان المستقلة.

المفردات البصرية:

إن المفردات البصرية عبر تاريخها حملت أشكالاً متنوعة ومتكررة، ولكن ما يميزها هو انعكاس الروح القلقة للفنان، وصياغتها بشكل خاص دون التشابه مع أشكال أخرى. بأعمال فضل نجد هذه المفردات المألوفة ولكنها خاصة له، تنساق تحت حداثة تقليدية من حيث المفردات المستخدمة، ولكنها منفتحة تبشر بعمق التجربة المعاصرة والمنتمية لجيل جديد من الشباب، التي لا زالت في بعض تجاربها تحافظ على التراث الفني العالمي بظاهرة تنطلق من محور أساسي وبناء فكري كلاسيكي، يساهم في نضج التجربة وتجاوزها المحدود. واذ يساهم ذلك نحو حداثة منتمية لأسس فنية حقيقية، تعمل برد فعل ايجابي، ويبقى التحرر منضبط بالذهنية اللاواعية لتنتج تجربة تتسم بالنضج.

من المفردات الأخرى التي تنتمي لفضل في أعماله، المساحات المتنوعة بأشكالها الزخرفية المختلفة، والمنتمية لعناصر ثلاث، الإنسانية والنباتية والحيوانية، وما يتخللها من فراغات ملونة، بحيث لا يسمح للفراغ السلبي من مكان عبر عمله، وإنما يشكل كثافة لونية وعناصرية مريحة، تعبر عن عقلية فكرية مستمرة وبلانهاية أو تكرار بالرغم من العدد الهائل الذي رسمه في لوحاته، حيث لا تجد تكرار العمل في عمل آخر، وهذا مؤشر يدل على نقاء التجربة.

لا شك بأن أعمال الفنان فضل تحمل نضج، وتفرز هوية خاصة تشكل إضافة للوحة التي تذهب باتجاه عكسي بهذا الوقت، وإذ يؤكد هذا أن اللوحة لا زالت قابلة للإضافة، ولا زال لها مكانها الخاص بشرط أساس يفرض الديمومة والبناء التراكمي، والإنتماء الفعلي لهذا النوع من الفن.

الوان الكوميديا:

ربما يعتبر إسقاط بعض التعابير المسرحية أو الأدبية على العمل الفني، تظل مرعبة، ولكن أمام وصف عمل فني بإحساس يتشابك مع المعطيات البصرية والحسية، يعمل على إسقاط هذه المصطلحات بأقل حالاتها كناحية تعبيرية، وإذ يبرر لي ذلك أن ألوان وأعمال محمد فضل بها من الكوميديا ما يدفعني لقول ذلك، فنجد ألوانه الزاهية بجانب ألوانه الصريحة، وهذا التجاور الخطير بين بناء عناصره والوانه قد يوقعه بمنتصف الأشياء، كالسقوط نحو السذاجة أو إعتبارها لعبة ذكية في استقطاب العين للعمل، واستكتشاف أكبر قدر ممكن من عناصره وعمق عمله، بالرغم من تسطيح أشكاله، والتعامل معها من زاوية واحدة تعيد للذاكرة فنون الطفل من ناحية التسطيح والشفافية.

وامام هذه الكوميديا البصرية، تستطيع بناء توازن وتراص جماعي لذائقة متنوعة وواسعة، كالسهل الممتنع، الذي لا يمكن لاي قارئ بصري الإبتعاد عن هذه الأعمال دون تأملها، وتذوقها المجازي بمذاقها الحلو، أو لمسها برؤوس الأصابع بعد أن تفرز العين وتلتمس الإختلاف الملمسي للعمل. بعد ان قام باستخدام تكنيكات متنوعة على سطح عمله

 

منذر جوابرة

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail